د. محمد عبدالله الخازم
تختلف الآراء حول تغيير الشعارات للشركات والمؤسسات وذلك أمر طبيعي في مجالات الإدارة، لكن أهم سبب - لا يتم نقاشه بشكل موسع في كتب الإدارة - يتمثل في البعد الثقافي الذي يقود بعض المؤسسات إلى الاعتقاد بأن تغيير الشعار يمثل بصمة تاريخية في مسيرة المؤسسة وقياداتها. ثقافة تقود إلى قناعات لدى بعض القيادات الإدارية إلى أن حلول المشاكل تتطلب خلق هوية وشعار جديد كرمزية للتغير، ويتناسون أن مشاكل المؤسسة وتدني أدائها - إن كان حاصلاً - ليس سببه الشعار وأن تغيير الشعار/ الهوية ليس الحل، وإنما هو هدر اقتصادي وربما اختزال لتطور وتاريخ المؤسسة. للأسف، عندما تسيطر فكرة التغيير تصبح مهمة البعض هي البحث عن مبرراته.
لا ننكر، أحياناً يكون التطوير في الشعار ضرورة تقنية أو اجتماعية، كأن يتم التغيير في بعض الألوان لإتاحة استخدامه على منتجات رقمية. هذا تطوير طبيعي، لكن ما نجادل حوله هو التغيير الكامل للشعار، بشكل يقدم شعاراً منفصلاً تماماً عن الشعار القديم. عندما ننظر إلى شعار جامعة هارفارد مثلاً، نجده تم عبر الزمن تطوير بعض الخطوط والألوان، لكن الشعار الرئيس لم يتم تغييره على مدى أكثر من 200 عام، وبالمثل لو نظرنا إلى الجامعات والمؤسسات العالمية المتقدمة نجد شعاراتها لم تتغير على مدى مئات السنين.
رغم أن بعض الشعارات القديمة تحمل معاني دينية أو ثقافية تجاوزها الزمن، لكنهم يتعاملون مع الشعار كإرث ورمز وتاريخ وليس وفق مزاج قيادات متغيرة.
بعض الشعارات القديمة لو عرضتها على خبراء التصميم الحديث لأوجدوا فيها (العذاريب)؛ الألوان، التعقيد، البساطة، التعبير.
لكن من حسن الحظ أن قادة المؤسسات العريقة لا يستمعون إلى هؤلاء الحداثيين الطارئين الذين يفتقدون الفلسفة الفكرية ويهتمون فقط بالخطوط والألوان. أغلبهم يسوق لشركات التسويق والدعاية والإعلان، ليقع في حبائلهم قادة بعض المؤسسات المهتمين برفع مكانتهم وسمعتهم وتواصلهم وتسويقهم، كأفراد أو مؤسسات.
ولأن بعض القراء يزعجهم عندما أكتب بشكل تجريدي هكذا، سأكون واضحاً بأن الأمر تكرر في أكثر من مؤسسة ومنظمة وإدارة سعودية. تعودنا، عندما يكون الأمر في مؤسسات القطاع الخاص، أن نجيب بأن ذلك مالهم ولهم حرية التصرف فيه وتلك مؤسساتهم يتحملون نتائج أفكارهم فيها.
لكن عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات العامة فإن الأمر مقلق وسبق أن تطرق إليه النقاد. سبق أن اُنتقدت وزارة التعليم، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وغيرها من القطاعات بسبب التغيير الذي أحدثته في شعاراتها. بعض المؤسسات مثل الخطوط السعودية عادت بعد سنوات طويلة لشعارها القديم ولألوانها القديمة، مع تعديلات بسيطة في عمق الألوان وطبيعتها.
آخر المؤسسات التي قامت بتغيير شعارها، هو معهد الإدارة العامة. ووقْع ذلك التغيير بالنسبة لي أكبر من غيره، فمعهد الإدارة أحد أعرق المؤسسات العلمية والتدريبية في المملكة والمنطقة العربية بصفة عامة. كيف بمؤسسة يُفترض أن تقود التطوير الإداري وتكون المرشد لبقية المؤسسات الإدارية والتعليمية في المملكة الذهاب إلى محو هويتها التاريخية؟ يقرنون ذلك بإعلان استراتيجية جديدة، وأسألهم: هل جامعة كامبردج لم تغير استراتيجياتها على مدى 800 عام؟
ما مبررات تغيير شعار المعهد وليس تطوير الشعار القديم، إن كان فيه خلل فني يستحق المعالجة؟ ما رأي خريجي المعهد وموظفي الدولة وأساتذته والمهتمين بالتاريخ الإداري في المملكة بصفة عامة، أليس لرأيهم تقدير واعتبار؟ إلى أين يقودنا هواة التصميم (الجرافيك) ومؤسسات الدعاية والإعلان، الذين يروجون لنا شعارات (رقمية) تعتمد على خيالات تجريدية سطحية؟.