م. بدر بن ناصر الحمدان
مشاهدة العاصمة الرياض من منظور متحرك وإدراك أماكنها من الردهة الخلفية أمر في غاية الإثارة، فالخريطة الذهنية عن هذه المدينة تشكّلت في ذاكرتنا عبر زوايا الرؤية المكررة من خلال الشوارع أو الفضاءات العمرانية التي لم تكن لتعبر إلا عما يمكن مشاهدته من الواجهة الأمامية بينما ثمة مشهد أكثر جاذبية لم يكن مرئياً.
اكتشاف الرياض من خلال قطارها يمنحك (بُعداً خامساً) لا يمكن وصفه إلا من خلال ممارسة عملية وانخراط تام في أروقة المدينة والسفر بداخلها، والنظر غير المألوف للشوارع والأرصفة والممرات والحواف والجدران والمباني والأحياء ونقاط الاتصال كما يقول «كيفين لينش»، ثمة مدينة أخرى نعيش فيها ولم نكن نعرفها.
عيش الرياض من داخل العربة دليل قاطع على أن الرياض شبكية النمط ومعتمدة على المحاور الحضرية في بناء تركيبتها العمرانية، وهو ما يجعلها قادرة على التحكم في زمن وطبيعة الرحلة وسهولة الوصول وتجانس استخدامات الأراضي بجميع الاتجاهات بشكل عملي واقتصادي، بعيداً عن خرافة المدن العضوية التي لطالما طغى الشكل في تخطيطها على الوظيفة وكان الثمن باهظاً.
الأمر الآخر ستبرهن لك تجربتك اليومية بالقطار أن عرباته أصبحت مكاناً للمصادفة، واللقاء بالآخر، بل مكان ثالث متنقل، وأن الرياض مدينة باذخة بالجمال، ونابضة بالحياة بين المباني، ومُعاشة بالناس في أروقة لم تسمح الفرصة باكتشافها يوماً.