سهلة المدني
مهنة المحاماة مهنة يصعب النجاح فيها وذلك لكثرة البحث في داخلها، حيث تجد أنك لازلت في بحث مستمر ولم تنته بعد، عند تخرجك من الجامعة تبحث عن مكتب محاماة أو شركة لكي تتدرب فيها، وعندما تنتهي من مرحلة التدريب وتحصل على رخصة المحاماة تبحث عن شركة مهنية قانونية أو مكتب محاماة لكي تتعاقد معه بعقد عمل، وعند حصولك على جهة قانونية تنتمي لها تدخل في آخر مرحلة للبحث وهي مرحلة حاسمة وهي العملاء، وبذلك يجب أن تقنعهم وتجعلهم يستمرون بالعمل معك ويكون لديك الكثير منهم، وبذلك تثبت وجودك المهني من خلالهم، وثقتهم بك تجعل لك قيمة في أي شركة قانونية تنتمي لها، وبذلك أنت في رحلة بحث مستمرة في هذه المهنة، ويمكن أن يصل بك الأمر إلى أن تتواصل مع أكثر من ألف محامٍ ومحامية وشركات ومكاتب محاماة ولا تجد الجهة التي تدعمك أو تتقبل وجودك في داخل هذا العالم الصغير الذي لا يدخل بوابته سوى الذين لديهم قدرة على البحث المستمر، دون الشعور بالإحباط لكثرة الرفض ولكثرة سماعك ليس لدينا شواغر فنحن مكتفين من الموظفين.
مهنة المحاماة المهنة الوحيدة التي لن يخبرك أحد بالأجر الذي يجده من القضايا أو بالقيمة المالية لكل شركة يتعاملون معها، أو بسعر الاستشارة القانونية أو بتكلفة العقد السنوي مع الشركات كم قيمته، فأنت ستجد أنه ليس هناك جهة يمكن أن تثق بك وأنت لا زلت حديث التخرج ولا تملك خبرة كافية تؤهلك للعمل معهم.
مهنة المحاماة مهنة يصعب فهمها أو حتى النجاح فيها لمن لديه عقل ثابت لا يتغير ولا يتطور ولا يرى شيئاً مستحيلاً فهو يرى المستحيل يمكن الوصول له، والفشل يصنع منه بوابة للنجاح والخسارة فيها يجعلها درساً يتعلم منه لكي لا يخطئ مرة أخرى ويقع في الخطأ نفسه. مهنة المحاماة يراها الكثير بصورة مختلفة ويصنفون من ينجح فيها بين سيئة وحسنة، والنجاح فيها يعتمد على تكوين علاقات قوية جداً مع ما فيها من ثقة وشغف وحب للمهنة.
البعض يعتقد ويرى أنها مهنة لغير الشرفاء، وأنها مهنة لغير الصادقين، لكنها تشبه أية مهنة يمكن أن تجد فيها الشريف وممكن أن تجد فيها المجرم، وهذا يحدث في أي مهنة، فمهنة الطبيب هناك طبيب يتاجر بالأعضاء وبالنسبة له هو بزنس وليست مهنة لإنقاذ البشر، وهناك طبيب شريف ينقذ حياة البشر وهدفه السعي لإنقاذهم، لذلك لا يمكن لك أن تصنف جميع من يعمل بمهنة المحاماة تصنيفاً واحداً، بل يجب أن تغير نظرتك وتدرك أن المهنة لا تصنع في داخلك أي شيء، بل أنت تخلق في هذا الكون وأنت لديك شخصية مستقلة تقرر الطريق الذي تريد العيش فيه دون أن يؤثر عليك أحد، فأنت ثابت ومستقر على رأيك ولن يتغير مهما حدث وتدرك عواقبه والطريق الذي اخترته هو طريق الخير أو الشر، وهذا لا علاقة له بالمهنة التي تنتمي لها.
هذا هو الشيء الذي يجب أن يدركه من يخوض التجربة ويحارب حتى نفاد صبره وقلة الفرص التي في هذه المهنة هو الإرادة القوية والبحث المستمر واقتناعك بذاتك، وأنه يمكنك النجاح مهما كانت العواقب من خلال قدرتك على أن تواكب تطور المحاماة وجعلها ليست بوابة لك فقط بل هي طريق للنجاح ومرحب بكل من يعمل فيها حتى وإن كان لا يزال في بداية الطريق، لذلك وحتى لا تموت هذه المهنة وتقع في طي النسيان وتصبح اسماً نكتب حروفه فقط، يجب أن نعمل معاً لكي تستمر ونساند الضعيف فيها ونفرح من أجل القوي فيها، ولا نحطم بعضنا ولا نحرم بعضنا من الفرص ونسعى لكي تبقى على قيد الحياة، لأن ظلم الضعيف فيها ومحاربته هو دليل بأننا لا نطبق القانون على من يعمل معنا ولا نعطي له حقوقه، وبذلك نحن نكون كما لو أننا لم ندرس القانون ولا نعرفه، بل نحن بذلك نثبت عدم قدرتنا على النجاح لعدم تطبيقنا ما درسناه وتدربنا عليه، والظلم يقع على الضعيف وبعد ذلك يقع على القوي، ونحن لا نريد سوى أن نكون مرآة للقانون ونطبقه على أنفسنا، وبذلك نستحق ما وصلنا له دون أن نشعر بالذنب تجاه قلوبنا ومن حولنا. قال تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)، (النساء (58).