علي الخزيم
* إذا قابلتني بالمسجد أو بقاعة الاجتماعات والمؤتمرات أو بين حضور لمناسبة تضم وجوهًا ومشارب مختلفة من الناس؛ هل تريدني أن أتعامل معك كما كُنَّا بالاستراحة أو أيام السَّفر السياحي مثلًا؟! هذا ما يفعله البعض فلا يُفرقون بين كل مقام ومقال؛ فالدعابات والمزاح عندهم لا تحدها أمكنة ولا أزمنة؛ ولا يمنعها تَجمّعٌ وقُورٌ ولا بَهاءٌ ماثِلٌ أمامهم؛ وديدنهم الاستظراف والتَّلصّق بالحضور بمنهج وصُولي مُقَنَّع بقناع لا يَثْبت على حال؛ ذلكم أن الأقنعة عندهم مُتعددة مُتلونة لكل منها عَمَله ومناسبته!
* قضية الوجوه والأقنعة عند البعض مُزمِنة عجز الحكماءُ عن حلها واجتثاثها، لأنها كما يبدو متجذرة بتأثير التفاعل الجِينِي الموروث مع معطيات الحياة الآنية لكل جيل مع واقعه، وهذا من المسائل التي باتت معروفة متفق عليها، غير أن اللَّبس يقع غالبًا باختلاف قدراتنا على اكتشاف أصحاب الأقنعة المزيفة، وهو ما يلزمه قَدْرٌ من الحَذْق والنباهة؛ وإخضاع الخبرات مع هؤلاء للتدقيق والتمحيص بين حين وآخر؛ للوصول لقرار بتحديد التعامل معهم وفق حالاتهم المتأزمة ولتدارك مآربهم المشبوهة.
* لا تجعل نظرتك متشائمة دومًا تجاه الآخر؛ فَكَمْ مِن إنسان غامض بنظرك وتظن أنه ربما من أصحاب الأقنعة ومِمَّن يلبسون لكل حالة قناعها المناسب عندهم، ثم بلحظة أو موقف تلمع منه إضاءة إيجابية واعدة تَرسُم حوله صورة نقية لإنسان واضح شفاف ترتاح للتعامل معه وتطمئن لعلاقتك به، بعد أن كنت تختزن أفكارًا مُشَوّشة حول شخصيته إن لم تكن بالحقيقة تظن به السوء أو ما يقاربه بسبب هدوئه وغموضه التلقائي الفِطري الذي وُلِد معه.
* هنا تبرز نقطة مهمة جديرة بالتَّبصُّر والتأمل: ذلكم أن الإنسان هادئ الطباع قد يُخفي وراءه شخصية مُغايرة لما نشاهده على ظاهره ووجهه الذي نراه أمامنا؛ غير أن التجارب المتكررة قد تكشفه وتُعَرِّي ما يخفيه إن كان مُخاتِلًا وصوليًا يستغل علاقاته بالآخرين لأهدافه المريبة، وأحيانًا يكون الضّد بأن تكشف الخبرات عن شخصية نزيهة كما أسْلَفت أعلاه، وبالمقابل: فإن سريع الانفعال الغضوب يُزيح بطبعه السَّواتر عن ذاته خيرًا أم شرًا، فلعله عند الناس أوضح من ذاك الهادئ الغامض.
* لا يُغرينَّك وجهُ ذاك الثعلب الباسم طوال وقته معك؛ وكلماته المعسولة التي تزخر بالثناء عليك بكل خصالك حتى لأنك تَشُك بأن كل تلك الخصال قد منحها الله سبحانه لك دون غيرك، وتأخذك نفسك إلى مستويات من التصديق بالأمر، فتزداد قُربًا لذاك الأفَّاق ذي الأقنعة المُلوَّنَة المزخرفة لخداعك وغيرك مِمَّن تربطهم به صلة عمل أو قرابة، فَكَم وجه جميل بَرَّاق يستر ضميرًا وقلبًا حقودًا ونزعات استغلالية تنزل لمستوى غدر الضّباع؛ والخيانة يستمرئها ويتلذَّذ بها صاحبها على حسابك ويدوس بها كرامتك وقيمتك الاجتماعية والوظيفية؛ ويستهين بالقِيَم كافة ليصل لمبتغاه دون وجَل.
* وبرأيي فإن التَّوسط بالأمور يقود للتعامل بمحيطك الاجتماعي وفقًا لقاعدة: (لكل مَقَام مقال) والمثل الشعبي: (لكل شارب مَقَص)؛ والنأي بالنفس عن كل قِنَاع غادر مُخَاتل للالتفاف على مشاعر وعواطف الآخرين وابتزازهم لمصالح ذاتية دونية؛ فبئس الطَّبع والخِصال وتَبَّ صاحبها.