د. علي القحيص
يشاء الله ثم تجري الرياح وتتقلب الأوضاع وتسير المقادير بما يرسم لها القدر.
غادر «أحمد الشرع» مدينة الرياض التي ولد فيها وعاش طفولته الأولى، وعمره 6 سنوات، ليكمل دراسته في سورية، ومن ثم تقلب في غمار السياسة عبر التيارات الإسلامية، واكتسب خبرة واسعة في القيادة والعمليات والسياسة لاسيما حين قاتل في العراق بعد احتلاله عام 2003م، حيث صرح لاحقا انه تخلى تماماً عن تلك المنظمات بعد أن وجد في مساراتها ما يخالف رؤيته، وعاد إلى موطنه سورية.
اليوم يعود الشرع إلى المملكة العربية السعودية رئيسا للجمهورية العربية السورية منتصرا بعد أن تمكن من قيادة العمليات العسكرية وإسقاط نظام الأسد بشكل مثير للاهتمام ويستحق الدرس والتحليل الطويل، يحمل هموم شعبه الذي عانى الأمرين، بسبب بطش وتسلط النظام السوري البائد الذي لم يترك له حليفا أو صديقا، بل مارس أعتى وأقسى الممارسات التعسفية القمعية الممنهجة ضد شعبه الأعزل.
وحيث خذله الجميع حتى جيشه والمقربون له بسبب سياسته المتفردة المتهورة الطائشة التي تتصف بالقبضة الحديدية والقسوة والبطش والعناد الأهوج، ما جعله يشعر بعدم الأمان والولاء للأرض التي مارس فوقها الويلات واستجلب الغرباء لقتل أهلها واستنزاف خيراتها وتدمير مواردها، حتى كان الهروب إلى روسيا تحت جنح الليل بعيدا عن المنطقة العربية والإسلامية كلها، ليترك الجميع والجميع يتركه وحيدا، وترك حاضنته وأعوانه وأدواته لمصيرهم وحيث أصابهم الخذلان والخيبة والصدمة!
كان خيار الرئيس أحمد الشرع، ان تكون المملكة العربية السعودية أول محطة له إلى خارج سورية إيذانا بمرحلة جديدة في إعادة سورية إلى حضنها وحاضنتها العربية والإسلامية، وليقدم رسالة واضحة للعالم بأن البوصلة تنطلق من الرياض وهي الأهم والأقوى والحليف الموثوق، ومنها ينطلق ليرسم سياسات بلاده المستقبلية التي وعد شعبه بتنفيذها، لبناء سوريا العربية من جديد بعد ان عاث الغرباء فيها خرابا ودمارا ملأى بأحقاد التاريخ، وجعلوها طرقا ركاما وطوائف متناحرة، ومذاهب متنازعة، وقوميات متنافرة واثنيات غير متصالحة مع بعضها، وميدانا للمعارك وساحة للتصفيات المتطرفة المسلحة، بعد أن هجر أصحابها الأصليين وشعبها العربي، الذي فرقته الحروب والأزمات والكوارث، تهجر مجتمعها مابين الغرب والشرق، ما بين لاجئ ومهجر ومطارد ومقتول ومعتقل ومفقود، وحاول في إحداث التغيير الديمغرافي بتوطين الغرباء من وراء الحدود، واليوم أعادت ثورة السوريين المهجرين والفارين لوطنهم ينشدون الحرية والإنفراج، رافضين التقسيم والاقصاء والتهميش والتجزئة، الذي مورس عليهم من قبل العصابة الحاكمة التي فرقت الشعب ومزقته دويلات وطوائف وعصابات، وأمعنت في التعالي والتكبر والغطرسة والانفراد بالسلطة التي فقدتها تلك الطائفة بسبب غريزة التشبث بالحكم الدموية، حتى لو كان على حساب الشعب ومستقبله!
اليوم نتمنى على السوريين التعالي على الجراح ونبذ روح الفرقة والإنتقام والتطلع لبناء دولة المؤسسات والعدالة والمساواة وفق ما صرح به الشرع في كلمته الأولى لشعبه والعالم، وحدد معالم الطريق من أجل غد سوري أفضل، بعد أن عانى السوريون طويلا كما لم يعاني شعب آخر في التاريخ، ولبناء الوطن الجديد وتهيئة ظروف مناسبة أفضل، باستثمار خبرات وكفاءات الشعب السوري المتميزة والماهرة والمتعلمة، حيث شهد العالم وحيث وصل السوريون مهاجرين أنهم على درجة عالية من الكفاءة والعطاء والديناميكية وتنوع الخبرات والامكانيات، والقادرون على خلق الفرص والابداع في مختلف المهن وتوعية الخدمات التي يؤدونها، في البلدان التي هاجروا واستوطنوا بها أثبتوا جدارتهم وقدرتهم على العمل والإنتاج، فأينما تجدهم يصنعون المستحيل من خلال خبرتهم ومهاراتهم ومواهبهم الكثيرة والمتعددة.