خالد بن عبدالرحمن الذييب
بعض الكتّاب ضعيف أمام قلمه، ويتركه يسيل سيلاً دون وعي منه، وقد لا يكون في ذلك عيب، فأحياناً تحتاج أن تكون متسامحاً مع قلمك، وتتركه يسير كيف يشاء حتى لو ضاعت الفكرة فطالما أخذت تجول معه في سياحة القلم والفكر والمتعة الأدبية فلا ضير، قلم العطار فعل ذلك في «منطق الطير»، ولكن إليف شافاك في «قواعد العشق الأربعون» كانت مسيطرة تماماً على قلمها فارضة شخصيتها عليه، وكأن بيدها سوطاً يتابع قلمها، فهو يسير كما أُمر لا يستطيع أن يأخذ طريقاً مختلفاً، إليف شافاك، مثل الفارس الذي يسير بفرسه كيف يشاء ولا يدع للفرس الفرصة في اتخاذ قرار خاص بها، فهي تكتب بقوة شخصية عجيبة لا يكاد القلم يفلت منها، عباراتها تكاد تكون بالمكان والوقت المناسب في كل صفحة، وأحياناً في كل سطر تجد حكمة أو عبارة تستحق أن تكون جملة مفتاحية لمقالة، أو ربما تكون فكرة مقالة بحد ذاتها، إليف فرضت ساديتها على قلمها الذي أصبح عبداً لها في حالة من الحالات التي يملك فيها الكاتب قلمه، بخلاف حالات أخرى يكون الكاتب فيها مملوكاً لقلمه.
هناك روايات تكون ممتعة، فيها من الإعجاز الأدبي ما هو كفيل بأن يجعلك تطير مع الطيور بين الغيوم، وتسقط مع حبات المطر لتسيل مع الأودية انسياباً لتتحد مع كل شيء في الطبيعة اتحاداً روحياً عذباً لا عقدياً، اتحاداً ترى نفسك فيه ونفسك تراك فيها، كحبة مطر ذابت مع وادٍ جارف فأصبحتَ أنت وحبات المطر في اتحاد مع الوادي السائل.
ونوع آخر من الروايات كفيل بأن يصنع يومك ويجعله مشرقاً بامتياز، تقرؤها للمتعة ولاستنشاق عبق الحروف فيها ولتتذوق عذوبة مائها العذب، فالرواية حالة إبداعية متبادلة بين الكاتب والقارئ وبينهما الحرف، الذي يمثل الشيطان الثالث، الذي بإمكانه يجعلك تكفر، أو يجعلك تتماسك وتكتفي بالمتعة الأدبية، متحكماً بعقلك إزاء ما يظهره الكاتب، فالكاتب نفسه لا يعني ما يقول ولكنه يتحدث بلسان شخصياته وأحيانًا بلسان طرف آخر غير موجود، لا في عقل الكاتب، ولا نصه، طرف خفي من مكان بعيد داخل نفسه الغريبة من أعماق بعيدة المدى، ربما هو لا يتذكرها ولكن تذكرت نفسها فظهرت على شكل حروف لتكمل النص.
أخيرًا..
العبارات الجميلة والفلسفية التي تظهر لنا في الروايات يجب أن نتعامل معها على أنها عبارات جميلة فقط، وقد تحمل فكراً ولكن ليس كل فكر تحمله الرواية مناسباً، فبعض الفكر كفر.
ما بعد أخيرًا...
الرواية حالة إبداعية تلبّست الكاتب مثل شيطان الشعر الذي يقود الشعراء الأوائل، فتعامل معها كحالة إبداعية لا أكثر.