د.م.علي بن محمد القحطاني
أتذكر في طفولتنا كان أكثر ما يستهوي أغلب أبناء جيلي من الأفلام التلفزيونية مسلسل بوليسي أجنبي عن شركات التأمين وما تقوم به من تحريات بوليسية وتعاقدات مع مخبرين خاصين في الغالب ضابط شرطة متقاعد لبحث أسباب سرعة مطالبة بعض العملاء بقيمة البوليصة إيفاءً بالتزاماتهم وخصوصا تلك البوالص ذات القيمة التعاقدية المرتفعة، وكان تنتهي بنتيجة واحدة بأن هنالك يدا خفية أو جريمة أدت إلى ذلك الاستحقاق، علما أن أغلب تلك الحلقات كانت تأمين على الحياة او منشآت تجارية أو صناعية مختلفة قائمة وناجحة تُدمر نتيجة حريق مثلا انتهت التقارير الأولية انه نتج عن التماس كهربائي أو عقب سجائر، ولكن بعد البحث والتحري يتضح أنه تم بفعل فاعل تتجلى فيها أبشع صور الجشع والبحث عن الثراء حتى بإزهاق الارواح، وقد تكون تلك الأرواح لأقرب الناس إليهم والهدف منها ممن وجهة نظري تهيئة الرأي العام على التعقيدات التي تفرضها الشركات قبل صرف تلك الاستحقاقات في تلك الدول وإنها إجراءات لها ما يبررها اظهاراً للحقائق وتطبيقا للعدالة، والآن بعد مرور عقود من الزمن وبعد إقرار التأمين لدينا ومنها التأمين على المركبات والتأمين الطبي لازالت الصورة الذهنية راسخة في أذهاننا
لكننا فؤجئنا ببعض تلك الشركات وإن كانت قلة إلا أنها موجوده تتمترس خلف الأنظمة الإلكترونية من منصات ومواقع الكترونية لتأخير أو التهرب من الوفاء بالتزاماتهم والتي تتعطل باستمرار، وتمتاز بتعقيدات لا أول لها ولا آخر، ثم تتلكك بأوهن الاعذار والحجج للتملص من مسؤولياتها، وعند تقديم شكوى في الموقع الإلكتروني للشركة وتدخل في دهاليزها بين الموقع والتواصل الهاتفي تخلص إلى أهمية مراجعتهم حضوريا في المقر الرئيسي للشركة لتخرج بنفس النتيجة بعدم استحقاقك للتعويض بدون مبرر مفهوم الا عبارة (النظام لا يرى استحقاقك) وآخر ما لديهم نصيحة بأن تصعّد الشكوى للهيئة العامة للتأمين لتبدأ رحلة أخرى لا يشوبها إلا بعض الأخطاء والإجراءات من بعض منسوبيها قد يكون لحاجتهم لمزيد من التدريب أو اللامبالاة وليس من نظام وآلية عملها، فعلى سبيل المثال تلزمك كمؤمن أو مشتك أن تتابع شكواك بشكل مستمر عبر الدخول على موقعهم وبدون حتى أي اشعار منهم وفي خلال يومي عمل يتم إسقاط الشكوى، وإن وردك إشعار فهو باللغة الإنجليزية فهل كل عملائهم أجانب أم أنهم لم يكلفوا أنفسهم عند أخذ النظام دراسته وتعديله بما يتناسب مع لغة وأنظمة الدولة فلغتنا الرسمية العربية وبقية اللغات اختيارية.
وفي مثال آخر، وفي الموقع الإلكتروني هنالك عبارة بالاستفادة مؤقتا من منصة الضمان الصحي في تقديم شكاوى تأمين المركبات حتى يتم الانتهاء من موقعهم الخاص بهم، ثم يعود النظام لرفض المطالبة بسبب تقديمها على الضمان الصحي بمعنى آخر كل الطرق تؤدي إلى إقفال الشكوى أو أن يعرض عليك الموظف أخذ كافة المعلومات والبيانات ليرفع الشكوى عن طريقة ومن ثمة إرسال الرقم لك وبعدها يختفي الموظف وتموت رسالة رقم الشكوى وعند الاتصال للاستفسار يفيدكم موظف آخر أن عليك أن تتريث حتى يصلك رقم لن يصلك أبداً.
تساؤلات مشروعة منها..
كيف يمكن لطبيب مقيم (مبتدئ) برفض صرف أنواع من الأدوية أو إجراء فحوصات وتحاليل أو أشعة للمريض وصفها استشاري أو حتى كبير الأطباء في المنشأة الطبية الخاصة؟
وكيف امتلك هذه القوة والجبروت والتي لولا وجوده في شركة التأمين لما تجرأ على ذلك حسب بروتوكولات الطب والدرجات العلمية فيه؟
هل كان مضحوكا علينا من العيادات والمستشفيات الخاصة في الماضي لأخذنا نصائح الأطباء بمحمل الجد لإيماننا بأنهم أصحاب رسالة ونرضخ لطلباتهم بما يُمارس علينا (المريض وذويه) من ترغيب وترهيب مما سيترتب عليهم من مسؤولية في حالة الرفض، حيث نصبح أمام خيارين لا ثالث لهما؛ أما الموافقة على خطتهم العلاجية وما تحمله من تكاليف باهظة وإجراءات قد لا يكون لها داع أو تحمل المسؤولية في حالة توفى المريض أو تدهورت حالته الصحية.. فهل كنا على خطأ؟
وبعد دخول شركات التأمين على الخط أصبحوا هم الأوصياء على المستشفيات ليس حبا في المرضى ولا حماية لحقوقهم أو المحافظة على أرواحهم فهذا اخر اهتماماتهم بل المحافظة على مصالح ومكاسب شركات التأمين.
ومن المستغرب خنوع المستشفيات الخاصة وطواقمها المدججة بأعلى الشهادات العلمية حسبما ينشر في تلك المستشفيات من خبرات وشهادات أطقمها الطبية من أخصائيين ومتخصصين واستشاريين لتلك الاشتراطات، فهل هذا اعتراف ضمني بعدم صحة تشخيصهم أو عدم الأمانة في طلب تلك التحاليل أو الأشعة أم هو للمحافظة على مصالح مشتركة بين الطرفين.. ماذا وراء هذا الخنوع: هل ثمة ما يخشون منه أو عليه.
إن صحة الإنسان أمانة والطب مهنة إنسانية قبل أن تكون تجارة.
فالتصرف الطبيعي والمتوقع إصرار الطبيب على وجهة نظره والدفاع عن تشخيصه أمام الشركة وتحميلهم مسؤولية الرفض وكل ما يترتب على ذلك، وتصعيد الأمور لهيئة التأمين لتفصل في الموضوع بوجود إدارة طبية مختصة وأن تكون هناك إدانات وعقوبات رادعة في حق الجهة المخطئة تصل لسحب ترخيص الطبيب وعقوبات رادعة بحق المنشأة.