سطام بن عبدالله آل سعد
الصراع بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي تجاوز حدود المنافسة التجارية ليصبح حربًا باردة تكنولوجية بامتياز، حيث لم يعد الأمر يتعلق فقط بتطوير البرمجيات والابتكارات، بل أصبح مرتبطًا بالسيطرة على البيانات والتفوق في صناعة الرقائق الإلكترونية، وهو ما سيحدد من يقود العالم اقتصاديًا وعسكريًا خلال العقود القادمة. وكما كانت الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي تدور حول التفوق في الأسلحة النووية وسباق الفضاء، فإن الصراع الحالي يتمحور حول التكنولوجيا المتقدمة وأثرها على موازين القوى العالمية.
وفي هذا السياق، من المتوقع أن تُصعّد أمريكا قيودها التكنولوجية على الشركات الصينية، خاصة فيما يتعلق بتصدير أشباه الموصلات والمعالجات المتقدمة، الأمر الذي يدفع الصين بالرد بسياسات مضادة، مثل حظر تصدير المعادن النادرة المستخدمة في صناعة الرقائق، وهو ما قد يؤثر في الصناعات التكنولوجية الأمريكية ويؤدي إلى مزيد من التوترات الاقتصادية بين البلدين. ومع استمرار هذا التصعيد، قد يشهد العالم انقسامًا رقميًا متزايدًا، إذ يتشكل إنترنت أمريكي يخضع للسيطرة الغربية مقابل إنترنت صيني مستقل بنماذجه الخاصة في البحث والتواصل، وهو اتجاه يتجلى في تجارب مثل TikTok وWeChat، عاكساً بذلك سعي الصين إلى فرض استقلال رقمي بعيدًا عن الهيمنة الغربية، مما يعزز مفهوم «الإنترنت المنقسم» (Splinternet).
إلى جانب الاقتصاد والفضاء الرقمي، أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا حاسمًا في الصراع العسكري، إذ انتقل من كونه أداة تجارية إلى مكوّن أساسي في الأنظمة الأمنية والعسكرية. وتتصاعد حدة التنافس بين أمريكا والصين على تطوير تقنيات متقدمة تشمل المراقبة، والتحكم بالطائرات بدون طيار، والحرب الإلكترونية، ما يزيد من خطورة الصراع ويضعف احتمالات التعاون في هذا المجال.
وفي ظل هذا التصعيد، تسعى أمريكا إلى بناء تحالفات تكنولوجية مع أوروبا والهند واليابان لمواجهة التفوق الصيني وتقييد وصوله إلى التكنولوجيا المتقدمة، في حين تعمل الصين على تعزيز مبادرة الحزام والطريق والتوسع في الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر لاستقطاب المزيد من الدول إلى نفوذها.
وفي خضم هذا التوتر المتزايد، يبدو أن العالم يتجه نحو عصر جديد من الانقسامات الرقمية، فالحدود التي كانت تُرسم بالجغرافيا أصبحت تُحدد الآن بالبيانات والتكنولوجيا، مما يضع الدول أمام خيارات استراتيجية معقدة. وإذا كانت الحرب الباردة الأولى قد انتهت بانتصار اقتصادي لأمريكا، فهل ستعيد الصين كتابة التاريخ بوسائل رقمية، متجاوزة الأساليب التقليدية للصراع؟
ما يقلقني ليس فقط التنافس بين القوتين، وإنما مصير الدول العالقة بين المطرقة والسندان، التي قد تجد نفسها مضطرة إلى التنازل عن استقلالها التكنولوجي لصالح إحدى القوتين، في معركة لا تقتصر على التفوق التقني فحسب، بل تمتد إلى إعادة تشكيل موازين القوى العالمية، وكأنها أمام عرض لا يمكن رفضه.
**
- مستشار التنمية المستدامة