د. محمد بن إبراهيم الملحم
ذا لاين The Line التي تشكِّل أهم أقسام مدينة نيوم الحديثة، ستقدم فكراً جديداً للبناء في العالم يقوم على تحويل البناء العمودي من كيانات متفردة تكون غالباً لقطاع الأعمال، كما هو حال ناطحات السحاب في الولايات المتحدة وكثير من الدول المتقدمة، إلى كيانات مترابطة ومتسقة بطريقة جديدة ثورية تبث في البناء العمودي روح البناء الأفقي، كما أنها تنطوي على بعد آخر مهم جداً يعزز هذه الروح، وهو مزج البناء الحديث بالكتل الخضراء الطبيعية التي تحيل المكان قطعة من الطبيعة الساحرة الجميلة؛ ليتخلص من يعيش في هذا المكان من أجواء المباني والبلوك والإسمنت، فلا يشعر أنه في مكان مصطنع وإنما في بيئته الأساس التي ينتمي إليها: الطبيعة الخضراء، كما تمثل وسائل التنقل المبتكرة وطبيعة التصميم الفريدة بعداً آخر في جعل المعيشة في هذا المكان سهلة ميسرة لسهولة التنقل والوصول إلى أي مكان بسهولة، فإذن هي ببساطة تحويل البناء العمودي إلى مكان صديق بل جميل ومحبب يقبل عليه من تعود العيش في البعد الأفقي، وأذكركم أن هذه المدينة هي بعرض 200 متر فقط لكنها تمتد لكيلومترات عديدة تصل إلى 170 كيلومتراً وهو ما يجعلها في هيئة خط واحد كما تمت تسميتها، ولكن يكمن سر إمكانية استيعابها تسعة ملايين نسمة في ارتفاع مبانيها الذي يصل إلى 500 متر، مع ترابطها في نفس الوقت أفقياً ببعضها في نسق هندسي يحقق رفاهية عيش وشعور بالاتساع.
هذه المقدمة ضرورية للحديث عن موضوع إشكالية تملك مسكن في مدينة الرياض الذي بدأ يتجه إلى درجة عالية من الصعوبة؛ بسبب الارتفاع الفلكي لأسعار الأراضي، الأمر الذي يجعل من فكرة التملك عسيرة جداً خاصة على الأجيال القادمة، وأعتقد أن تبني مفاهيم فكرة ذا لاين في الرياض ستكون وسيلة لتجاوز هذه الإشكالية، ولاسيما أنها ستعالج جذر المشكلة الأساس أعني الارتفاع الفلكي لسعر الأراضي، الأمر الذي يتطلب أن يكون الحل متخلصاً من قيد الأرض وهو ما يعني ببساطة اللجوء إلى البناء العمودي بدلاً من الأفقي، ولكن حيث إن الحياة الاجتماعية وما تعوَّد عليه الفرد السعودي لا تتواءم كثيراً مع النموذج العمودي الهندسي فإن تلطيف الحل يكون من خلال نموذج جديد يستقي من مفاهيم «ذا لاين» The Line هذه الفكرة الثورية التي رعاها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وفقه الله، حيث يمكن تنفيذ ذا لاين مصغرة في ناحية من نواحي الرياض (وربما أكثر) بحيث تصلها خدمة مترو سريع EXPRESS TUBE الذي يحقق إمكانيات انتقال الشخص الذي يقطن في هذه الأحياء الجديدة للرياض بسرعة فائقة إلى أطراف الرياض التقليدية ووسطها، حيث توجد أماكن الأعمال التي يداوم فيها سكان هذه الأحياء المستقبلية.
ذا لاين الرياض المصغرة هي كما أسلفت «حي» وليست مدينة، ولكنها ستكون مبادرة حكومية تهدف إلى توسيع الرياض بطريقة منطقية ومناسبة وقابلة للتحكم، حيث سيشهد هذا الحي توافر عمائر ضخمة جداً مرتبطة ببعضها أفقياً كما هو مفهوم ذا لاين مما ييسر انتقال السكان وحصولهم على الخدمات ضمن ما يجاورهم، وهكذا يمكن التفكير في كثير من الحلول والأفكار الإبداعية التي تجعل من المعيشة في مثل هذه الأحياء مريحة وجميلة وأكثر إقبالاً من النسق التقليدي العادي، المقترح يتصور أن تبيع الحكومة هذه المساكن على فئة الشباب المتزوج (لتشجيع تكوين أسرة من جهة أخرى) بأسعار مخفضة وبتسهيلات كبيرة جداً مع منع التأجير؛ وذلك لسد الطريق على التجار والمستثمرين في تملك مثل هذه البيوت (كمالك ثان غالباً) ثم المتاجرة فيها ورفع أسعارها لتتكرر مأساة الارتفاعات الفلكية للعقارات بالرياض في هذه الأحياء الجديدة. وبهذه الطريقة ستكون هذه الأحياء الجديدة بالرياض وسيلة لتخفيف الازدحام وطريقة جديدة للمعيشة ومجالاً جديداً للتوسع العمراني المنطقي والمحكوم للرياض، كما أنها ستسهم في توظيف تقنيات جديدة لأول مرة في السوق السعودي وتحل مشكلة الإسكان والاختناقات المرورية معاً.
وإني أتصور هذه الأحياء عدة «لاينات» في جهات الرياض الأربع أو ربما الثماني، بل ربما يذهب الفكر إلى أن تكون ذا سيركل The Circle بدلاً من ذا لاين، أعني أن تأخذ شكلاً دائرياً محيطاً بالرياض بعرض 200 إلى 300 متر (كما هو مفهوم ذا لاين) وبطول يمثل محيط مدينة الرياض الحالي، فإذا كان طول دائري الرياض اليوم هو في حدود 80 كيلومتراً، فإننا نتوقع لمدينة الرياض الحديثة «ذا سيركل الرياض» أن يكون طول محيطها بين 120 - 150 كم تقريباً، أي أنها قد تبعد عن مركز الرياض الهندسي ما يقارب 23 كم. فكرة خارج الصندوق وداخله بنفس الوقت وأرجو أن يكون فيها حل لمشكلة الإسكان بالرياض.
**
- مدير عام تعليم سابقاً