د. منصور الجريشي
الشعر ديوان العرب، وعطر المجالس، ويأنس العرب بسماعه، ويجتمع الناس حول الشاعر أو الراوي ليطربوا سمعهم بما يقال وعن طريق الشعراء عرف العظماء والحكماء، وأهل الكرم، والوفاء، ويبقى قصة خالدة وسيرة عطرة متجددة عبر التاريخ ينقلها الأجداد للأحفاد، فكم من بطل، وكريم وواف عرفوا من خلال ما قيلت فيهم من قصائد، وأشعار وأصبحوا أعلاما يضرب بهم المثل بين القبائل يتناقل قصصهم الرواة ويصل ذكرهم لجميع العرب ومتذوقي الشعر في كل مكان.
وكم من بيت من قصيدة يبقى مثلا وحكمة يضربه الإنسان عندما يصيح في موقف أو في مشهد يتناسب مع ما قاله الشاعر صاحب المثل؛ ليعبر عما في جوانحه ويفهم الطرف الآخر، وربما يكون هذا البيت الذي أصبح مثلا أو حكمة مدحا أو ذما يقال في المواقف التي تواجه الإنسان ويوازن بينهم ومن ثم يطلق هذا المثل، وربما يكون تنبيها يفهمه من وجه إليه الخطاب، ويتوقف عن فعله أو يكون تحفيزا للشخص للوصل للهدف المراد.
لا شك أن الشعر مهم جدا وينبغى على الوالدين غرس حفظ الشعر أو كتابته في نفوس الأبناء كي ترتقي به نفوسهم، ويتجدد العطاء، ويصبحوا شعراء ماهرين ينقلون ما يحدث في هذا العصر للعصور القادمة يتناقلها جيل بعد جيل.
الشعر متعدد الأغراض ولكل غرض جماهيره ومحبوه، ولكن أكثر سطوة وجماهيرية شعر المحاورة حيث يكون بين شاعرين وأكثر، وصفوف يرددون ما يقوله الشعراء والساحة تزخروا بفحول الشعراء الذين يضرب بهم المثل وهم على قمة عالية من الأخلاق والأدب، ويحترمون غيرهم من الشعراء المقابلين والقبائل التي ينتسبون لها، ويتناولون بشعرهم معاني جزلة تسعد من يستمعون إليها وعلى النقيض تجد بعض الشعراء -وهم قلة- ودخلاء على هذا الفن وقد تبرأت منهم ألسنتهم حيث يتعرض الشاعر لزميله المقابل بالسب والشتم والقذف، وربما يسب قبيلة بأكملها، بسبب شاعر لا يمثل قبيلته، ويذكرهم بما ليس فيهم، وربما يهجو ويتهجم على الأعراض فتتحول الساحة من حالة شعر وأنس وانبساط وانشراح إلى حالة مصارعة، وينتج عنه لا سمح إصابات أو وفيات، وربما تتطور إلى القبيلة التي تعرض شاعرها للسب أو الشتم لتنال من القبيلة الأخرى. وهذا أمر ترفضه الأنظمة والقوانين التي تجرم العنصرية والتنمر والتطاول على الآخرين وإسقاط معاني لا تمت للحقيقة بصلة. ولا يعاب على الشاعر أن يأتي بمعان مدفونة وتمريرات يعلمها الشاعر المقابل وربما يجهلها العامة دون المساس بالأنظمة والقوانين والأعراف والتقاليد التي يلتزم بها الجميع ولا أحد يستطيع الخروج عليها.
مقترحات:
وللحفاظ على هذا الفن الجميل، وحتى لا يشوهه الدخلاء على هذا الفن الذين يرغبون أن يتحدث عنهم الآخرون ويذيع صيتهم ويصبحون مشهورين تردد أسماؤهم، ولكنه سواء أكان يعلم أو من غير علمه بأنه بلا شك أضر بنفسه وأصبح منبوذا بين البشر، مهما وجد التصفيق الحار من الحاضرين.
لذلك اقترح الآتي:
- عدم ممارسة فن شعر المحاورة إلا بعد الحصول على رخصة شعرية إعلامية صادرة من وزارة الإعلام ومصرح له أن يمارس هذا الفن.
- وضع شروط صارمة لمن يريد الحصول على الرخصة الشعرية، الإعلامية.
- قرار خطي على الشاعر بعدم التطاول على الآخرين أو المساس بالقيم والتقاليد أو الأعراف أو الإعرض بالسب أو الشتم.
- سحب الرخصة الشعرية من الشاعر في حالة تطاول على شاعر آخر بما لا يليق، أو تعرض للقبائل الأخرى بالسب والشتم.
- فتح مكاتب مصرحة لها من وزارة الإعلام، تتولى هذه المكاتب لقاء الشعراء والتنسيق معهم شريطة أن يكون الشاعر مصرحًا له بهذه المهنة.
- الغرامة لمن يمارس شعر المحاورة دون الحصول على رخصة مزاولة مهنة شعر المحاورة لضبط هذا الفن المحبب للجماهير.
- تشكيل لجان لديهم القدرة على فهم، وتحليل ما يدور في ساحة المحاورة الشعرية هدفها استقبال شكاوى المتضررين أو المبلغين وفحص ما يردها، وإحالة المخالفين مع مقاطع الفيديو الخاصة بهم لجهات الاختصاص لاتخاذ ما يلزم حيالهم.
وأخيرا..
أخي الشاعر راقب الله ولا يقول لسانك إلا خيرا، وجميلا، فإن الحياة بيد الله عز وجل، والدنيا فانية، ولا يبق إلا العلم الطيب، فالأثر يبقى، وربما كلمة لا تحسب لها حسب ولكنها عند الله عز وجل لها حساب. فهناك كثير من الشعراء محبوبين لدى جماهيرهم بسبب أخلاقهم العالية، ويتعاملون مع من يقابلهم بأنه زميل يطرحون موضوعا ثم يناقشونه دون الإضرار بأحد أو التهجم بعبارات لا تليق. فلنبق جميعا على هذا المنوال.