د. طارق بن محمد بن حزام
مع اقتراب شهر رمضان، ينساب في قلوبنا شعور خاص، يشبه النسيم العليل الذي يهب على أرضٍ تشتاق إلى أمطار الرحمة والتجدد، إنها الروحانية التي تعبق في الأفق، تحمل الأمل والتفاؤل، وتستحث قلوبنا على التهيؤ لاستقبال أيامه ببشارة النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم».
وهذا كله محض الفضل والمنّة، -فلله الحمد- من قبل ومن بعد.
نفوسٌ متلهفة لقدوم هذا الموسم العظيم في لحظات اقتراب رمضان، تعود بنا الذكريات إلى أيامٍ كانت تُشعرنا بالبساطة والجمال، كان رمضان في بيوتنا ذا نكهة خاصة، طعمه لا يُنسى، وروحانيته فريدة لا تتكرر.
منذ صلاة العصر، كان الجميع يتأهبون لاستقبال الإفطار في أجواء من النشاط والمحبة، لكن ما كان يميز رمضان أكثر من أي شيء آخر هو روح التكافل والتراحم بين الناس، كان الجميع يخرجون صواني الطعام إلى المساجد وإلى البيوت المجاورة، وكانت تلك اللحظات تجسيدًا حيًّا للعلاقات الإنسانية، حيث يمتزج الغذاء بالمشاعر الطيبة، وتكتمل الصورة بلحظة هدوء مفعمة بالمحبة والسكينة، كانت الوجوه تتلون بالفرح، والجميع يستشعر بركة الشهر في أبسط الأشياء.
أما صلاة التراويح، فقد كانت تتحول إلى عرسٍ روحيٍّ في المساجد، حيث تتزاحم الصفوف بجموع المصلين، كبارًا وصغارًا، وسط أصوات أئمة المساجد التي تملأ الأرجاء، لتصنع أجواء روحانية مشبعة بالتقوى.
في تلك اللحظات، كانت المساجد تتحول إلى بيوت للطمأنينة، حيث يصطحب الأب أطفاله إلى الصلاة، فتكتمل الصورة بأصوات العزيمة والإيمان، ليكتسب رمضان طابعًا لا يمكن نسيانه.
وفي ساعات السحور، كانت الأسرة تلتئم مجددًا حول مائدة بسيطة، لكنها مليئة بالدفء والمحبة، لتناول السحور معًا.
وفي تلك اللحظات، كان الفجر يقترب، فتُطلق المساجد أروع الأصوات في نداءٍ رباني «حي على الصلاة»، لتنساب أصوات المؤذنين كالسيل في سكون الليل، وتعلن بداية يوم جديد من أيام رمضان المبارك.
ومع كل يوم كان يمضي، كنا نعيش لحظات من النقاء الروحي، وننسج ذكريات قد لا تتكرر، لكنها ستظل حاضرة في قلوبنا، ذلك لأن رمضان لا يقتصر على كونه شهرًا للعبادة، بل هو موسم للذكريات الجميلة التي تربطنا بزمنٍ كان مليئًا بالتراحم، والسكينة، والمحبة.
هنيئًا لك يا من استقبلت رمضان كيف لا، وقد استقبلت شهرًا ليس كبقية شهور العام! فهو شهرٌ تتنزل فيه الرحمات من رب الأرض والسماوات، وأعظم مواسم الطاعات، حيث تُضاعف الحسنات وتُكفَّر السيئات.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
فتحقيق التقوى هو الغاية والمراد، لذا كانت هي الثمرة المرجوة من الصيام.
هنيئًا لك يا من استقبلت رمضان فهو شهر الخيرات والبركات، فرض الله صيامه، وجعله فرصة لتغيير النفس، وهو شهر الرحمة والإحسان، عاد بالفرح والسرور، لينشر الخير والمودة بين المسلمين، حيث يتسابق عباد الرحمن لتحصيل الأجر والثواب، والتعرض لنفحة من نفحات الله، فقد اختص الله أجره عن سائر العبادات.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلوف فِيهِ أطيبُ عند الله مِن ريحِ المسكِ».
هنيئًا لك يا من استقبلت رمضان فهو شهرٌ تُفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، فيا فوز من اغتنم الفرصة قبل فوات الأوان!
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم».
هنيئًا لك يا من استقبلت رمضان فهو شهرٌ اختصه الله لمن أخلص فيه النية، واحتسب أجره، ليغفر الله له ما تقدم من ذنبه.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه».
هنيئًا لك يا من استقبلت رمضان عاد بعد عام ليذكّرنا بنعمة الله علينا أن بلغنا هذا الشهر العظيم، وقد انقطع عنه أناس كثر بالموت أو المرض، وهم يتمنون أن ينالوا ثوابه، فلنغتنم بلوغنا إياه، فلعلّه إلينا لا يعود.
فلله الحمد والمنة والفضل، على كرمه وإحسانه، بأن أطال لنا في العمر، لننال نفحة من نفحات الله في شهر البر والخير والإحسان.
وختامًا
ما أحوجنا إلى هذا الشهر الكريم، الذي يمنحنا فرصة لا مثيل لها لإعادة تواصلنا مع الله، وإحياء أرواحنا في عالمٍ مشغول بالجري وراء المتاع الدنيوي.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.