د.عبدالله بن موسى الطاير
أمريكا اصطدمت في جدار، وكل ما يأمله حزب الأقلية ألا يدوم هذا الجدار لأكثر من عامين، على أمل أن يحصل الديموقراطيون على أغلبية أحد المجلسين أو كلاهما في الانتخابات النصفية، أو سيمتد الجدار لأربع سنوات، وربما تأخذه الظاهرة الترامبية لأطول من ذلك.
يتمتع حزب الأغلبية بسلطة كبيرة في الكونجرس، بما في ذلك النفوذ الكبير على اللجان، إذ يعين رؤساء جميع اللجان الدائمة، الذين يتمتعون بسلطة كبيرة لتحديد جدول الأعمال، وجدولة جلسات الاستماع، وتحديد مشاريع القوانين التي سيتم النظر فيها، كما يحتفظ حزب الأغلبية بمعظم المقاعد في كل لجنة، مع حضور معقول للعضو الأعلى مرتبة ولو كان من حزب الأقلية، ولكن ذلك يكون عندما تسود المجلس حالة من التوافق الحزبي وليس كما هو الحال اليوم.
من حيث المبدأ، توفر قواعد مجلس النواب ومجلس الشيوخ حقوقًا معينة لحزب الأقلية، مثل القدرة على تقديم تعديلات أثناء مناقشة مشاريع القوانين، واستدعاء الشهود أثناء جلسات الاستماع، إلا أن حالات الاستقطاب الحزبي العميقة تعطل حقوق الأقلية بشكل تام.
نظريا لحزب الأقلية لديه أدوات وتكتيكات للتأثير على التشريعات، أو تأخيرها أو عرقلتها في بعض الأحيان؛ ومن ذلك تقديم التعديلات أثناء المناقشات لتعديل أو تغيير التشريع، كما يمكن اللجوء للاستغراق في المناقشة، والتأخير باستخدام الاقتراحات الإجرائية لإبطاء العملية. ويمكن للأقلية استخدام جلسات الاستماع في اللجنة، والخطابات التي تُلقى في القاعة، والتواصل مع وسائل الإعلام لتسليط الضوء على معارضتها والتأثير على الرأي العام، الأمر الذي قد يضغط على حزب الأغلبية لتقديم تنازلات.
أما في مجلس الشيوخ، فتختلف قواعد اللعبة، فعلى الرغم من أن إجراءات مجلس الشيوخ تمنح حزب الأقلية سلطة أكبر بكثير من خلال ممارسة حقه في «عرقلة التصويت»، التي تسمح لعضو واحد في مجلس الشيوخ (أو مجموعة أعضاء) بتأخير أو عرقلة التصويت على مشروع قانون من خلال تمديد المناقشة إلى أجل غير مسمى. وللتغلب على عرقلة التصويت، يحتاج حزب الأغلبية إلى 60 صوتًا (من أصل 100) لإغلاق الجلسة، وإنهاء المناقشة وبدء التصويت، وهذا يعني أن حزب الأقلية يمكنه عرقلة معظم التشريعات بشكل فعال ما لم يكن لدى حزب الأغلبية أغلبية (60 صوتًا)، وحالياً يتمتع الجمهوريون بأغلبية 53 صوتاً في مجلس الشيوخ، في مقابل 45 صوتا للديموقراطيين، وصوتان في المجلس للمستقلين. وقد تطرح فاعلية هذا الإجراء تساؤلا عن عدم قدرة الديموقراطيين على تعطيل مرشح واحد من مرشحي الرئيس للمناصب التنفيذية؟
يعود السبب إلى أن التعيينات التنفيذية والقضائية قد ألغي فيها مجلس الشيوخ التعطيل في ترشيحات السلطة التنفيذية والقضائية مما يعني أنها تتطلب الآن أغلبية بسيطة فقط. لذا فإن الحيلة المتبقية لحزب الأقلية هي اللجوء إلى الرأي العام لتشكيل رد فعل عنيف على استبداد حزب الأغلبية مما يؤثر عليه سلباً في الانتخابات القادمة، لكن حتى هذا لم يعد بتلك الفاعلية التي مثلتها شبكات الإعلام الجماهيرية التقليدية، فإيلون ماسك وهو الآن موظف في السلطة التنفيذية يمثل وزير إعلام الكون بسيطرته على منصة X، واستقاء الرأي العام معلوماته وتشكيل مواقفه عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي المفتوحة، وهي لعبة يجيدها الشعبويون ولا منافس لهم فيها، حيث يتحكمون في تدفق المعلومات بغض النظر عن صحتها أو دقتها، وتفشي نظرية المؤامرة وإشعال جذوة الاستقطاب الحزبي الحاد.
النظام السياسي الأمريكي لديه آليات رسمية محدودة للتعامل مع رئيس مدعوم من حزبه الذي يمثل الأغلبية في المجلسين؛ فمجلس النواب لا يملك فيه حزب الأقلية الأغلبية البسيطة لعزل الرئيس، وإذا تم تمرير ذلك افتراضا فإنهم لا يملكون ولن يملكوا الأغلبية الساحقة في مجلس الشيوخ (67 عضواً) لعزله. كما أن التعديل الخامس والعشرين الذي يضع تقرير مصير الرئيس بيد اغلبية مجلس الوزراء غير وارد إطلاقا فالرئيس قد استعد لذلك باختيار فريقه على أساس الولاء المطلق له. كما أن اللجوء للقضاء لعرقلة تشريع أو تعيين أو أمر تنفيذي سوف يصطدم في نهاية المطاف بالمحكمة العليا التي يشكل فيها المحافظون 6 أعضاء من أصل 9 أعضاء.
لقد صميم النظام الأمريكي لمنع الاستبداد، ولكنه يفترض أن المسؤولين المنتخبين سيتصرفون بحسن نية ويعطون الأولوية لمصالح البلاد على الولاء الحزبي. ومع ذلك، في الممارسة العملية، غالبًا ما تهيمن المصالح الحزبية على ما سواها. إذا كان حزب الرئيس غير راغب في التصرف - سواء بدافع الولاء أو الخوف من ردود الفعل العنيف أو الحسابات السياسية - فإن الأدوات اللازمة لمعالجة عدم الاستقرار الرئاسي تصبح شبه مستحيلة. وفي غياب التعاون الحزبي أو الضغط الحزبي الداخلي، هناك عدد قليل من الطرق الفورية أو الفعّالة لحماية البلاد من قرارات السلطة التنفيذية.