أحمد المغلوث
كنا خمسة زملاء دراسة وفي الصف السادس ومن عشاق السباحة في عيون المياه الموجودة في تلك الأيام بكثرة داخل نطاق مدينتا «المبرز»، واقترح أحدنا أن نصلي جميعا العصر في جامع داود، وبعدها نتوجه لعين «الزواوي»، وهي عين تنافس عين مرجان شهرة، خاصة في وجود سواني بجانبها، ما أروع منظرها تظللها أشجار النخيل العالية وأشجار الليمون والترنج وكذلك الرمان وكلتاهما تقعان ضمن غابة نخيل وأشجارها العملاقة والتي تكونت وتكاثرت من مئات السنين ، ويتوارثها الأحفاد كما هو حاصل في مختلف المناطق.
وهذه البساتين تعود للعديد من أسر المدينة، ونحن في طريقنا نحث الخطي في طريقنا الترابي وعلي يسارنا المقبرة الجنوبية رحنا ندعو ونترحم على من فيها من الذين رحلوا. فجأة قال أكبرنا عمراً: عندي لكم مفاجأة لن ننزل للعين للسباحة إلا بعد ما نلعب أكثر من دور في «لعبة الكيرم»، وأضاف: ولكن سوف يكون عشاكم الليلة في بيتنا وإذا بنا نبتهج مسرورين لهذه الدعوة، وراح كل واحد منا يتساءل عن السبب وراء هذ الكرم الحاتمي، وعندما واصلنا السير في اتجاه العين وصاحبنا الداعي يسير بفخر واعتزاز وكل واحد منا يفكر ويفكر منذ عرفناه وزاملناه في المدرسة ما عمره تكرم علينا بدعوة علي فنجان شاي أو قهوة أو حتي باشر علينا من مقصف المدرسة.
على العموم قالها أصغرنا عمرا هذا لطف منك، وطاولة الكيرم كل واحد منا
مشارك فيها بريال يعني «ملك» الجميع يالطيب، وأضاف وهو يهز رأسه على العموم الميدان يا حميدان ضحك صاحب الدعوة، ولكن في ضحكته سخرية مما دعا زميله الصغير لأن يقول ما ندري في اللعب من يفوز..
هل هو كبيرنا الذي علمنا اللعب أو صاحب «الكيرم» حمد الذي فاز علينا جميعا، وصار بعد ذلك ملكه حلاله بلاله رفع صاحب الدعوة حاجبيه بتعجب وهو يردد بينه وبين نفسه: هذا «الزعطوط» لسانه ممطوط يحتاج العن خيره ولا أقصه، وعندما وصلوا البستان راحوا ينادون على حجي سالم المسؤول عنه وجاء مهرولا وهو يحمل قفة بها تشكيلة من فواكه منوعة من خير بستان العين، رحب بهم بعدما وضع القفة جانبا وهو يقول: حظكم طيب مثل ما ترون هذه أول قطاف لفاكهة. «العين» وتستاهلونها يا عيالي.. شكروه وهم يتجهون لكرسي. «المصاخن» فالمشوار من الجامع إلى العين جعلهم يشعرون بالعطش، وأدار «الزعطوط» وجهه للعم سالم طالبا منه تجهيز طاولة الكيرم فهم سوف يلعبون أكثر من دور قبل صلاة المغرب.
تراجع سالم وهو يحرك يده اليمنى قائلا سامحوني يا عيالي «طاولة الكيرم» استعارها جارنا أبو حمد صباح اليوم بطلب من أولاده وبناته نفسهم يلعبون كيرم مع بعض، وخجلت أن أعتذر منه. وأضاف: علي العموم أخطف نفسي وأذهب لإعادتها لكم.
ومال كبيرهم، وكان اسمه راشد وهمس في أذنه ما فيه داع سوف نسبح في العين وخليك شاهد ناوي أعمل لزملائي مسابقه لمن يقفز بوضعية «هيب» والأفضل بعطيه جائزة. فنظر إليه سالم وعلامات الدهشة ترسم غضونا علي وجهه لكن العين عميقة وصعب القفز فيها بهذا الشكل..؟
فرد عليه لا تخاف سبق وقفزنا في عين الحارة وكذلك في عين أم سبعة فعقب سالم علي كيفك، أمر وتدلل، المهم استريحوا في الرواق، وتفضلوا كلوا من خير البستان، وبعدها إلى (الميدان يا حميدان)، وما هي إلا نصف ساعة وأمر راشد الجميع الاستعداد للوقوف أمام حافة العين بعد ما خلعوا ملابسهم وبان للمشاهد أنواع «الهافات» ولكنها في الحقيقة كانت سراويل وتم قصها وتقصيرها عدا واحد كان عليه هافاً أمريكياً واضح للعيان، وذلك من الورود المطبوعة عليه، ويبدو أنه خاص لوالده وحصل عليه من «كانتين» أرامكو.
وقف الجميع أمام العين والخوف والوجل يحيطهم كالسوار حول المعصم، وبدأ ينادي: راشد اقفز يا فهد اقفز يا عبدالله وبين فترة وأخرى ينادي علي آخر وكان على رؤوسهم الطير لا حركة ولا صوت فجاة إذا أصغرهم يقفز إلى أعماق العين وبعد لحظات سمعوا صوته ينادي، وصراخه الحاد طلعوني طلعوني.. يا.. يا أولاد.. وبسرعة قام سالم ورمى له الدلو، والحبل وتعلق فيه، وعندما خرج راحوا جميعا يباركون له فوزه وأنه كان
الأكثر شجاعة منهم جميعا..
وراح يردد: يا ليتني أعرف من هو «اللعين» اللي دفعني في العين!!.