عبدالله إبراهيم الكعيد
يعود أصل مفردة عسكري إلى المعسكر. يقولون في مغربنا العربي عن تجمّع فريق من الشبان والشابات تم اختيارهم لتنفيذ مهمة وطنية بـ(التربص)، بينما نحن في المشرق نقول عنهم تجمعوا في (مُعسّكر)، فالفِرق الوطنية لكرة القدم مثلاً تُعسكر استعداداً للمنازلات الرياضية القارية والعالمية كي تكون في أعلى جاهزيتها لتمثيل الأوطان بشكل مُشرّف.
كنت أستمع لمتحدثٍ في إحدى المساحات الحوارية في منصّة (X) يتداخل في موضوع مطروح عن (فلتان) الانضباط في أحد أسواق البلدة، فاقترح الحلول من وجهة نظره الشخصية لكنه كرر القول بعدم (العسكرة). عندها تساءلت في نفسي هل العسكرة مثلبة لدرجة استنكار وجود الضابط النظامي الذي يرصد التجاوزات ويمنع قانون الغاب؟
حينما ينضبط الناس في الطوابير ويلتزم كل فرد منهم بالنظام هل يعني هذا عسكرة الطابور؟ وقس على ذلك الانضباط في المدرسة، الجامعة، المصنع، المستشفى، بيوت العبادة، إلى آخر مناشط حياة البشر هل مرد كل ذلك إلى العسكرة؟ صحيح أن الصرامة في الانضباط سمة الحياة العسكرية؛ لهذا تتكرر مفردة الضبط مقرونة بالربط على أسماع العسكري المستجد آلاف المرات كي يكون ذلك الاقتران أبديّاً في حياته، إذ يفترض أن يتسم سلوكه وكذا قراراته بالضبط والربط. حتى في السياسة تحضر مفردة العسكرة، فحين قررت مؤخراً الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ مشروع دفاعي ضد الصواريخ العابرة للقارات، وأطلقت على المشروع القبّة الحديدية اعترضت الصين في بيان تناقلته وكالات الأنباء. اعتراض الصين رفضها (عسكرة الفضاء). يعني حتى في حالة التفكير في حفظ الأمن القومي يعتقدون أن الحكاية فيها عسكرة، فهل وصل الحال بالبعض إلى التحسس من العسكرية وهي أحد مكونات كل الشعوب؟ هل سمعتم في يوم عن دولة ذات سيادة لا يوجد فيها جيش نظامي عسكري يحمي حدودها ويدافع عن مقدراتها في حالة أي اعتداء خارجي أو تهديد لوجودها؟
أتفق مع من ينادي بقائد سياسي مدني وحكومة مدنية في أي دولة، ولكن لماذا هذه الحساسية المفرطة من مفردة عسكر وعسكرية ومعسكر؟ أليس العسكر هم من يسهر الليل ونحن نيام؟ صحيح أن سهرهم ويقظتهم في حماية حدود الأوطان وصيانة أمن المجتمع مسؤوليتهم الوظيفية التي يتقاضون لتنفيذها أجراً نهاية كل شهر كأي وظيفة أُخرى، لكن أظن أننا نتفق على أهمية تلك الوظائف وخطورتها في الوقت نفسه.
ليس كل عسكري نزيهاً كما هو الحال في أي موظف مدني آخر، إنما اعتراضي على شيطنة العسكري والعسكرية حسب صاحبنا في منصة (ْx) وهو يُحاور جماعته برفض عسكرة أي أمر يفترض فيه ضبط النظام.