فضل بن سعد البوعينين
من مزايا رؤية السعودية 2030، قدرة برامجها على التكيف مع المتغيرات الدولية والمحلية، والتجاوب السريع مع متطلبات المرحلة، دون التخلي عن أهدافها الإستراتيجية المرسومة، والمراجعة الدائمة والفاحصة لمخرجات البرامج، تسمح بإدخال التعديلات المناسبة عليها، عند الحاجة، وبما يضمن تحقيق مستهدفاتها الشاملة.
لكل برنامج مستهدفات محددة، وهي مستهدفات تتنوع بين الأهداف المستدامة التي لا يمكن التوقف عنها، بل يضاف لها أهداف جديدة بمجرد تحقيقها، وبرامج يتم إيقافها حين تحقيق أهدافها، ومنها برنامج الإستدامة المالية الذي تم تعديله بُعيد إطلاقه ليتوافق مع متطلبات تلك المرحلة، حيث أطلق البرنامج تحت مسمى برنامج تحقيق التوازن المالي في العام 2016م.
ونظرا للمتطلبات الجديدة والمتغيرات المالية، وحاجة برامج الرؤية، والمشروعات الحكومية للتمويل، ودخول أسواق المال العالمية، وبما يضمن تنويع مصادر التمويل، إضافة إلى أهمية الإصلاحات المعززة للإيرادات غير النفطية، تم تعديل البرنامج ليصبح برنامج الإستدامة المالية، الذي اهتم بمبادرات الإصلاحات المالية المحققة للاستدامة المالية والاقتصادية طويلة المدى، والاستقرار المالي، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، ورفع قدرات التخطيط المالي وإنشاء الكيانات الفاعلة، وخلق نظام مالي قوي قادر على التكيف مع المتغيرات المالية والاقتصادية، ما مكن الحكومة من تنفيذ مشروعاتها ومبادراتها الرئيسة، وتقوية مراكزها المالية، ومواجهة التحديات.
وبعد أن نجح البرنامج في استكمال تنفيذ خطته الضامنة «لاستمرارية التقدم والإنجاز، وساهم في وضع أسس الاستدامة المالية في مختلف القطاعات الرئيسة»، وافق مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية على إنهائه.
نجح البرنامج في زيادة الإيرادات غير النفطية من 186 مليار ريال في العام 2016م إلى 458 مليار ريال في العام 2023م، بنسبة نمو تقارب 146 %، حيث ارتفعت نسبة تغطية الإيرادات غير النفطية لإجمالي الإنفاق من 22 % في العام 2016م إلى 35 % في العام 2023م.
ومن المهم الإشارة إلى المكتسبات المتحققة من رفع كفاءة الإنفاق الحكومي والأثر المالي المتحقق بمعدل سنوي يقرب من 114 مليار ريال، وبإجمالي أثر مالي بقيمة 687 مليار ريال منذ العام 2018م، وحتى 2023م.
إنشاء المركز الوطني لإدارة الدين ساهم في الوصول إلى أسواق الدين العالمية وإدارة محفظة الدين الحكومي، كما ساهم مركز تنمية الإيرادات غير النفطية في تنويع وتنمية واستدامة الإيرادات، وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، ونجحت هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية في تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق أثر مالي ساهم في خفض التكاليف والإلتزامات المالية الحكومية.
وبعد إنهاء برنامج الاستدامة المالية، مع استمرار الكيانات الجديدة التي ساهم في تكوينها، فمن المهم مراجعة مخرجاتها ومرجعيتها، وبما يتوافق مع متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية، والمتغيرات الدولية والمحلية. فلعل من المناسب النظر في استقلالية المركز الوطني لإدارة الدين العام، بالتعديل على مرجعيته الحالية، والعمل على وضع خطة لخفض الدين العام، وبما يسهم في خفض تكاليف خدمة الدين، والإلتزامات المالية الثقيلة، وتحسبا للمتغيرات المالية والاقتصادية والجيوسياسية العالمية.
ومن المهم أيضا مراجعة أداء مركز تنمية الإيرادات غير النفطية، ليكون التركيز الأكبر على تنمية الإيرادات من خلال استثمار الأصول الحكومية، والمقومات المتاحة، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، والغوص في المبادرات ذات العلاقة بالابتكارات والإبداعات المحققة للدخل، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية بدل التركيز على الرسوم، أو المخالفات، أو اقتراح مزيد من الضرائب، التي أثبتت الدراسات أن أثرها الإيجابي السريع على المالية العامة يتقلص على المدى المتوسط والبعيد، ويحد من نمو الاقتصاد.
وبالرغم من النجاحات المتحققة لهيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، التي تؤكدها الأرقام المعلنة، إلا أن هناك مساحة أكبر لتحقيق مزيد من الأهداف، وتعزيز كفاءة الإنفاق في بعض القطاعات الحكومية، والمشروعات المنفذة. فالمرحلة الحالية تتطلب مزيد من التقييم المالي، وترشيد الإنفاق وتحقيق كفاءته، لمواجهة التحديات المالية والمتغيرات الاقتصادية العالمية.
أختم بالتأكيد على أن إعلان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية عن اكتمال الخطة التنفيذية لبرنامج الاستدامة المالية في موعده المحدد، من أهم الإنجازات المتحققة لرؤية السعودية 2030.