العقيد م. محمد بن فراج الشهري
لم تعد إسرائيل تعبأ بأي نظام دولي ولا بهيئة الأمم ومنظماتها ولا بمجلس الأمن، ولا بكل المواثيق الدولية، جرائمها في غزة بشعة بكل ما تحمله كلمة البشاعة من معانٍ.. تطهير عرقي، إجبار على النزوح، تشريد أهالي غزة، دفنهم تحت الأنقاض أحياء، القتلى آلاف وآلاف، الجرحى آلاف وآلاف، المشردون آلاف وآلاف. فماذا صنعت الأمم المتحدة ومجلس الأمن، هل أوقفوا هذه الإبادة الجماعية؟! والتي في ظل الخنوع الدولي امتدت إلى لبنان الذي جنى عليه حزب الشؤم ما جناه، فاستغلت ذلك إسرائيل استغلالاً لم تكن تحلم به، فشنت الغارات تلو الغارات على البنية التحتية لكثير من أجزاء لبنان، وهجرت سكانه كما فعلت في غزة، وحطمت الأخضر واليابس دون حسيب أو رقيب، وأخذت من لبنان ما تريده عنوة، ودمرت كثير من بلدانه وصولاً إلى العاصمة بيروت.
وما رأينا ولا سمعنا ولا شاهدنا للأمم المتحدة ومجلس الأمن حراكا، فقط التنديد والشجب، الذي أصبح سمة من سمات مجلس الأمن وهيئة الأمم في التعامل مع هذا الكيان الغاصب المحتل.
لكن الطامة الكبرى التي نشهدها هذه الأيام في سوريا بعد الأحداث التي حصلت بها، والتي أطبقت فجأة، فكانت إسرائيل قد حظيت بمبتغاها في سوريا، فقامت بما يلزم لها لتدمير الجيش السوري وآلياته، وقصف المطارات العسكرية وأخذت ما تريده وتجرأت لتقترب من دمشق العاصمة، كل هذا والأمم المتحدة ومجلس الأمن في سبات عميق، فكيف يسمح لإسرائيل باستباحة ما هو محرم دولياً؟!
الدخول إلى بلد مستقل، وعضو في مجلس الأمن والأمم المتحدة، ومعترف به دولياً، كيف لها أن تسمح لنفسها بما يشبه احتلاله، مستغلة بذلك الأحداث التي تجري حالياً على الساحة السورية. إن ما تقوم به إسرائيل حالياً في سوريا يعد من جرائم العصر الدولية المسكوت عنها.. من أعطى الأوامر بدخول القوات الإسرائيلية إلى سوريا وفعل ما فعلته حتى الآن؟ أليس ذلك بجريمة في القانون الدولي؟! وأين الأمم المتحدة من هذه الانفلاتات الإسرائيلية؟! التي لم تجد من يصدها حتى الآن، وهل تتحكم إسرائيل في مصير الأمن والسلم العالميين دون رادع أو رقيب؟ وما هو موقف الدول العربية من هذا التدخل السافر؟ ألم يكن لديهم جدوى أو نفع أو شرف ليقيموا القائمة على إسرائيل لاستهدافها بلداً عربياً ثالثاً وغزو كل قطاعاته، وتحطيم قدراته الدفاعية وغير الدفاعية، وإذا سكت عن ذلك مجلس الأمن، فلماذا تسكت عنه الدول العربية؟ أم نعود إلى حكاية الشجب والتنديد التي تسودنا في كفاحنا مع إسرائيل، هذا إن كان هنالك كفاح.
لقد قامت إسرائيل بارتكاب أكبر وأبشع جرائم على مدى التاريخ الماضي والحاضر، في أيام معدودة.. وكان العالم كله يتفرج على ما تقوم به من أعمال ودمار في غزة أولاً، ثم في لبنان ثانياً، ثم في سوريا ثالثاً، تسرح وتمرح في الأراضي السورية وتحطم كل ما يمكن تحطيمه من مقدرات سوريا عسكرياً وغير عسكري، وقطع شريان الحياة في كثير من مفاصلها دون حسيب أو رقيب أو حتى لفت نظر من صاحبة الكوارث العظمى الأمم المتحدة التي ترعى جرائم إسرائيل ولا تحرك ساكناً بإشراف أمريكا وبريطانيا وكل الدول سيئة السمعة، المعروفة بانحيازها وعدم التفاتها لما تقوم به إسرائيل ضد لبنان وغزة التي تكبدت أكبر جرائم في التاريخ القديم والحديث، ثم تلحق بما سبق سوريا، مستغلة الأوضاع الجارية بها، فتقوم بالدخول إلى أراضيها وتجني ما فعلته من تدمير وإحراق وتخريب.
وإن كل ذلك لعار على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكل الهيئات التي تدعي الدفاع عن الأمن والسلم العالميين.. فهل تستمر إسرائيل وحدها تعبث بالأمم المتحدة وتفرض هيمنتها التامة؟! ولماذا لا يتحرك العالم كله ضد هذا الكيان الغاصب المحتل، الذي يعبث بكل ما هو على وجه الأرض دون وازع أو رادع أو اعتبار أو أي أعراف دولية؟! إنها حقاً كارثة العصر بهيئة الأمم وبمجلس الأمن!