د.عبدالعزيز الجار الله
أصبحت فلسطين وبالتحديد قطاع غزة الشريط الساحلي الضيق على البحر الأبيض المتوسط هو حلم أمريكي، ضاقت عليهم أمريكا (مساحتها 9.833 مليون كيلومتر مربع ) وأوروبا بما رحبت، وأصبحت غزة هي الاستثمار وملتقى القارات والتجارة الدولية والتنافس العالمي، فالإسرائيليون يهربون من صراعاتهم الداخلية إلى حطام غزة، وأيضا أمريكا والرئيس ترامب يهرب من قضاياه الشخصية وخصوماته وأزمات أمريكا الاقتصادية وصراعاتها مع العالم يهرول باتجاه غزة ويعتبره الجدار الأخير، وكأن غزة لتوها تكتشف، أو هي قطعة الكعكة الوحيدة، وطبقات الكيك المقسم ومثلثات الجبن الوحيدة. سبحان الله كيف تحولت غزة من سجن كبير مغلق إلى مهو لأفئدة سياسي العالم والضوء الوحيد في آخر أنفاق صراعاتهم، كيف تحول شاطئ غزة المتخم بالبارود ورائحة الموت إلى خزان ضخم حامل لطبقات الغاز، وسهولها إلى آبار الذهب الأسود النفط الأحفوري، وهضابها إلى عجينة اليورانيوم الأصفر، وطينتها إلى معادن حرجة ونادرة. أمريكا اليوم تفر من مواجهاتها الحقيقية مع الصين السياسية والاقتصادية إلى افتراضات غزة.
هذه التداعيات بدأت من اليوم الأول لتولي الرئيس ترامب منصبه وآخر تصريحاته قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الأحد 9 فبراير 2025: (إنه ملتزم بشراء غزة وامتلاكها، وربما يعطي أجزاء منها لدول أخرى في الشرق الأوسط لبنائها). جاءت هذه التصريحات من الرئيس ترامب للصحفيين المرافقين له على متن الطائرة الرئاسية وقال: «سأحول غزة إلى موقع جيد للتنمية المستقبلية». «وسأهتم بالفلسطينيين وسأتأكد من أنهم لن يقتلوا». وأنه سيبحث «حالات فردية للسماح للاجئين فلسطينيين بدخول الولايات المتحدة الأميركية» انتهى.
بهذه الصورة أصبحت الأوطان سلعة للبيع والشراء والاستئجار، أوطان تباع في العلن وبالمزاد، الغريب أن غزة ليست قارة معزولة يسهل القضم منها والبيع، إسرائيل الحالية وهي فلسطين التاريخية قبل عام 1948 هي دولة جغرافيتها: طولية وضيقة من حيث المساحة، حيث تمتد على حوالي 470 كيلومترا طولا وعلى 135 كيلومترا في أكثر المواقع عرضا.
وقطاع غزة الذي عليه نزاع جبابرة العالم عبارة عن شريط ساحلي على طول البحر الأبيض المتوسط، تحده جمهورية مصر العربية من الجنوب الغربي وإسرائيل من الشمال والشرق. يبلغ طوله حوالي 41 كيلومترا وعرضه يتراوح بين ستة كيلومترات إلى 12 كيلومترا، تبلغ مساحته الإجمالية 360 كيلو مترا مربعا.
أما المشهد الآخر: روسيا لها قاعدة في سوريا فيما تسميها المياه الدافئة، وهي تقول اليوم: نحن في انتظار تفاصيل مشروع ترامب في غزة!!، وأمريكا قواعدها في فلسطين وفي سوريا والعراق، وفرنسا تبحث عن نفوذ لها في لبنان لتكون في الجوار، والصين تتلمس الطريق التجاري طريق الحرير القديم من بوابة غزة، وبريطانيا تراقب الموقف استعدادا للانقضاض عبر موانئ غزة. إذن الدول العظمى أصبحت دولا مجاورة لدول المشرق العربي دول الجزيرة العربية (دول الخليج العربي ) ودول الشام واليمن والعراق، كما أن الدول الخمس الكبرى صاحبة الفيتو في مجلس الأمن ستقف على الخط الفاصل ما بين بلدان المشرق العربي، وبين بلدان المغرب العربي والشمال الأفريقي، وكأنها تطوق الوطن العربي بشطريه.
إسرائيل ستجد نفسها في المنطقة الرمادية ربما يتبخر حلمها في العودة لاحتلال غزة وجعلها أرضا اسرائيلية، أيضا صعوبة إيقاف الاستثمارات الأجنبية - الأمريكية والأوربية - الأموال وحركة السكان وفتح المطارات والقطارات، لأن غزة ستصبح على حد القول ريفييرا ساحل الشرق الأوسط المفتوح.