م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - عندما تكون مشاعر الإنسان الداخلية مشاعر سلام وسكينة وطمأنينة وهدوء وبساطة فإن هذا يشيع في المحيط ذات الشعور، ويكون تأثيرها في الآخرين تأثيرا إيجابيا فيه تكامل وفيه إحساس بالحرية والتلقائية والتماثل وسهولة الاندماج وعمق الفهم لمشاعرنا المتبادلة، وبالتالي الرغبة في التواصل والسعي لوجودنا في حياتهم لأنهم معنا سيشعرون بالاطمئنان وأنهم مكتملون ومحل تقدير، هذه المشاعر المحلقة تجعلهم محبين ممتنين ويرون في قربنا نعمة، وهذا بدوره يدفعهم إلى الانفتاح والتخلي عن الدفاعية والحذر فليس لديه أمام هذه المشاعر ما يخفيه، فشعور الألفة يكون طاغيا والوعي بالآخر يصبح في قمته، ونصبح في حالة انسجام تام مع الشخص الآخر، وتسقط أمامها كل أسلحة الرقابة والحراسة لأية فكرة أو مشاعر، فتصبح العلاقة بالآخر سلسة تلقائية عفوية متناغمة.
2 - مشاعر الألفة تخلق حالة فريدة من العلاقة المنسجمة التي تتكامل ولا تتصادم مع الآخر، فنتغافل ونصفح ونغض الطرف ونتسامح مع أخطاء الآخر بلا منة أو لوم أو حتى عتاب.. مشاعر الألفة أسهل وأرق أنواع المشاعر التي تخلق علاقة ليس فيها التزام أو حقوق أو واجبات، علاقة وإن بدت سطحية في الظاهر بسبب عدم الارتباط الملزم إلا أنها عميقة في أحاسيسها وتفاعلاتها، هي علاقة أشبه ما تكون بوديعة بنكية محفوظة لا تحتاجها وإن احتجتها فهي هناك تنتظرك، كما أنها علاقة لا تشترط قرب الشخص ولا عمق المعرفة ولا مقدار المصالح المتبادلة، ولا الحب ولا الشهوة ولا أي شيء آخر، فقط شعور داخلي بالألفة ترتاحان له.
3 - أعجب ما في مشاعر الألفة أنها تسمح لك بالبوح عن أدق مشاعرك وأعمق خصوصياتك وأخطر أسرارك وتحس أن أنكما صديقان مخلصان منذ القدم، ترتاحان لبعض، وتفضفضان لبعض بلا ارتباط أو مسؤولية.. وأكبر مدمر لمشاعر الألفة هي السلبية، فالإنسان طاقة تشع المشاعر الإيجابية أو السلبية فيما حولها، والطاقة إما أن تكون جاذبية أو منفرة، وهاتان حالتان لا تحتاجان إلى وقت طويل أو احتكاك كثير حتى تعرف نوعية الطاقة التي نتبادلها، فالطاقة سواء إيجابية أو سلبية تأثيرها فوري، وإحساسنا بها مباشر وهي التي تحدد دائماً سرعة وقوة العلاقة مع الآخر، من هنا يتضح أن مشاعر الألفة لا تكون إلا في حالة المشاعر الإيجابية.
4 - هناك خلط بين مشاعر الألفة ومشاعر التعود، وهما أمران مختلفان تماماً، فإذا كانت تشترط المشاعر الإيجابية لخلق إحساس الألفة فإن التعود لا يشترط أي نوع من المشاعر سواء سلبية أو إيجابية، فالألفة مرتبطة بالراحة والاطمئنان والحب بينما التعود فهو مرتبط بالتواجد والحضور حتى لو كان حضوراً مرفوضاً.. وأقرب حالة يمكن أن تصف المعنى الحقيقي للألفة هي تفاعل الحيوانات الأليفة مع الإنسان، وإحساسها المباشر والفوري بالطاقة التي يكتنزها ذلك الإنسان تجاه ذلك الحيوان لذلك يحصل القبول أو النفور الفوري بينهما.