عبدالله صالح المحمود
بين سواحلها الزرقاء الممتدة وجبالها الخضراء الشاهقة، تروي منطقة جازان قصة استثنائية تجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ العريق. تقع جازان في جنوب السعودية، وتمثل واحدة من أبرز المناطق التي تعكس التنوع الجغرافي والثقافي للمملكة.
هذه المنطقة، التي تمتزج فيها الطبيعة مع التراث، تشهد نهضة تنموية شاملة تستمد زخمها من رؤية المملكة 2030، وتركز على تحويل جازان إلى وجهة سياحية واستثمارية عالمية.
تُعرف جازان بتنوعها البيئي الاستثنائي، فهي تحتضن جزر فرسان التي تُعد أكبر جزيرة مرجانية في البحر الأحمر. تتميز الجزر بشواطئها الخلابة التي تبدو وكأنها لوحة مرسومة، وشعابها المرجانية التي تأسر قلوب عشاق الغوص والمغامرة. على سبيل المثال، رحلة الغوص في فرسان ليست مجرد استكشاف تحت الماء، بل هي تجربة استثنائية حيث يكتشف الزوار جمال الكائنات البحرية النادرة والشعاب المرجانية المتلألئة. بالإضافة إلى ذلك، تضم الجزر محمية طبيعية تُعد موطنًا للعديد من الطيور والأسماك المهددة بالانقراض، مما يجعلها وجهة مثالية للباحثين عن تجربة طبيعية ملهمة.
أما جبال فيفاء، فهي لوحة طبيعية تُحيطها السحب على مدار العام وتُغطيها المساحات الخضراء المورقة.
الزائر لهذه الجبال سيشعر وكأنه في عالم مختلف، حيث يمتزج الهدوء مع النقاء الطبيعي. وبحسب وزارة السياحة، شهدت جازان زيادة في عدد الزوار بنسبة 35 % خلال السنوات الخمس الأخيرة، مما يُبرز اهتمام السياح المحليين والعالميين بهذه الوجهة الفريدة.
إلى جانب طبيعتها الخلابة، تُعد جازان موطنًا لسكان مميزين بكرمهم وشجاعتهم، إضافة إلى إسهاماتهم في مجالات عدة مثل القضاء والشعر والأدب والثقافة.
ساهم أهل جازان، بروحهم المعطاءة وأصالتهم المتجذرة، في تعزيز مكانة المنطقة على المستويين الثقافي والاجتماعي. ومن المعروف أن جازان تتميز بشخصياتها البارزة في هذه المجالات، الذين أثروا الساحة الوطنية بإبداعاتهم وقدموا صورة مشرفة عن تراثهم الغني وقيمهم النبيلة.
منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، دخلت جازان مرحلة جديدة من التطور الاقتصادي والسياحي. من أبرز المشاريع التي تجسد هذا التحول مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، التي تُعد أحد المحركات الرئيسية للتنمية في المنطقة. هذا المشروع يُتوقع أن يوفر أكثر من 20,000 فرصة وظيفية، مع التركيز على مجالات التصنيع والطاقة المتجددة، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
في الجانب السياحي، تسعى جازان إلى تطوير بنيتها التحتية بشكل شامل، حيث يتم تحسين شبكة الطرق وإنشاء منتجعات سياحية فاخرة. بالإضافة إلى ذلك، يجري تطوير ميناء جازان لاستقبال السفن السياحية العالمية، ما يجعلها محطة رئيسية لخطوط الرحلات البحرية. ولتلبية الطلب المتزايد على الإقامة السياحية، تعمل المنطقة على زيادة الطاقة الاستيعابية للفنادق بنسبة 40 % بحلول عام 2030.
لا تقتصر النهضة التنموية في جازان على المشاريع الكبرى فقط، بل تشمل أيضًا تمكين المجتمع المحلي. من خلال برامج تدريبية مثل “تمكين الشباب الريفي”، تم تدريب أكثر من 1,500 شاب وشابة في مجالات الزراعة المستدامة والتسويق. على سبيل المثال، إحدى قصص النجاح البارزة تتمثل في مشروع “مانجو جازان”، حيث استطاع مجموعة من المزارعين المحليين تصدير منتجاتهم إلى الأسواق العالمية، مما ساهم في تعزيز مكانة جازان كمركز زراعي رائد.
إلى جانب جمالها الطبيعي ونهضتها الاقتصادية، تُعد جازان موطنًا لثقافة غنية وتراث عريق. مهرجان جازان الشتوي يُعد أحد أهم الفعاليات التي تُبرز هوية المنطقة وتراثها، حيث تُعرض فيه الفنون الشعبية مثل رقصة العرضة الجيزانية.
هذه الرقصة ليست مجرد فن تقليدي، بل هي قصة تُروى عن تاريخ المنطقة وروح سكانها.
بالإضافة إلى ذلك، المنازل الطينية القديمة التي تُزين القرى الجبلية في جازان تعكس ارتباط السكان ببيئتهم. هذه المنازل، التي صُممت لتكون ملائمة للمناخ المحلي، تُعتبر رمزًا للإبداع في العمارة التقليدية.
التنمية في جازان لا تقتصر على المشاريع الاقتصادية والثقافية فقط، بل تشمل أيضًا الاهتمام بالبيئة والطاقة المتجددة. جزر فرسان تُعد مثالًا حيًا للسياحة البيئية المستدامة، حيث يجري العمل على الحفاظ على تنوعها البيولوجي مع تقليل الانبعاثات الكربونية. إضافة إلى ذلك، يجري تنفيذ مشروعات سياحية بيئية تعتمد على الطاقة النظيفة، مما يعكس التزام المنطقة بتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
بفضل الدعم الكبير من القيادة الرشيدة وجهود الجهات الحكومية والمحلية، تمضي جازان بخطوات واثقة نحو مستقبل مشرق من خلال المزج بين التراث والطبيعة، الأصالة والحداثة، تقدم جازان تجربة استثنائية لزوارها، وتجسد رؤية المملكة نحو التنمية المستدامة. إنها ليست فقط لؤلؤة الجنوب، بل أيقونة تعكس التنوع الثقافي والطبيعي للمملكة، حيث تُكتب فيها فصول جديدة من النجاح والإلهام.