سارا القرني
في عالم يبدو أنه فقد بوصلته الأخلاقية، تظهر من حين لآخر تصريحات تذكرنا بأن العنصرية والاستعلاء لم يختفيا من قاموس السياسة الدولية، هذه المرة جاءت الصدمة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعاد إحياء خطاب الكراهية بدعوته إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم، متجاهلاً حقوقهم التاريخية والقانونية، تصريحات ترامب جاءت في سياق دعمه المطلق للسياسات الإسرائيلية المتطرفة، وأثارت عاصفة من الغضب العالمي، خاصة في العالم العربي، حيث وقفت المملكة العربية السعودية في الصف الأول لرفض هذه الدعوات العنصرية.
ترامب، الذي عُرف بمواقفه المثيرة للجدل تجاه القضية الفلسطينية، لم يكتفِ بدعم الضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية، بل تجاوز ذلك إلى الدعوة الصريحة لتهجير الفلسطينيين، وهو ما اعتبره مراقبون انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، هذه التصريحات لم تأتِ في فراغ، بل جاءت متزامنة مع تصريحات نتنياهو، الذي تحدث عن «استقبال السعودية للفلسطينيين» في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام، تصريحات نتنياهو الاستفزازية حاولت رسم صورة للعالم العربي على أنه مستعد لتبني سياسات التهجير القسري، وهو ما نفته السعودية بشدة.
لم تكن ردود الفعل السعودية على هذه التصريحات مجرد بيان دبلوماسي عابر، بل جاءت على شكل إدانة قوية وواضحة. المملكة العربية السعودية خرجت في بيان رسمي شديد اللهجة، استنكرت فيه هذه الدعوات، مؤكدة أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف، وأن أي حل للصراع يجب أن يكون عادلاً وشاملاً، ويضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
البيان السعودي لم يكتفِ باستنكار تصريحات ترامب، بل تناول أيضاً تصريحات نتنياهو، واصفاً إياها بـ»المستفزة» و»غير المسؤولة». وهي التصريحات التي حاولت أن تضع السعودية في موقف دفاعي عندما حاول جرها إلى دائرة شبهات التواطؤ مع سياسات التهجير، لكن المملكة أكدت مرة أخرى أن أي تطبيع مع إسرائيل يجب أن يكون مرتبطاً بحل عادل للقضية الفلسطينية، وليس على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
لم تكن السعودية وحدها في ساحة الاستنكار، بل انضم إليها عدد كبير من الدول العربية والإسلامية، بالإضافة إلى منظمات دولية حقوقية، الاتحاد الأوروبي، الذي عادة ما يتجنب اتخاذ مواقف حادة تجاه إسرائيل، أصدر بياناً أعرب فيه عن قلقه من تصريحات ترامب ونتنياهو، مؤكداً أن التهجير القسري للسكان ينتهك القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، الأمم المتحدة أيضاً لم تكن بعيدة عن هذه الموجة، حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن مخاوفه من أن تؤدي هذه التصريحات إلى تصعيد التوترات في المنطقة.
في العالم العربي، كانت ردود الفعل غاضبة وحادة. مصر، التي لعبت دوراً مهماً في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أعربت عن رفضها القاطع لأي دعوات لتهجير الفلسطينيين، مؤكدة أن القضية الفلسطينية تظل القضية المركزية للأمة العربية. وكذلك الأردن.
التصريحات على الرغم من خطورتها، لكنها كشفت مرة أخرى عن عمق التزام العالم العربي بحقوق الشعب الفلسطيني. وأثبتت السعودية أنها لن تتنازل عن مبادئها في الدفاع عن القضية الفلسطينية. العالم، وأنّ القضية الفلسطينية التي ظلت لعقود ليست مجرد صراع على الأرض، بل معركة من أجل العدالة والكرامة الإنسانية.