د. فهد صالح عبدالله السلطان
على الرغم من كثرة الدراسات والبحوث العلمية التي تمت على منهج حوافز العاملين في قطاعي الأعمال والحكومة إلا أن الجدل حولها مازال مستمراً، ولم تسعفنا النظريات الكثيرة بمنهج علمي يحظى بإجماع أو شبه إجماع خبراء الإدارة ومنظريها.
ولعل من أبرز الدراسات التي تمت حول الموضوع هو ما يعرف ب هرم ماسلو.. أبراهام ماسلو عالم متميز أصّل وربط التحفيز بحاجات الإنسان وذلك من خلال خمس مستويات للإحتياج الإنساني، سميت ب مستويات هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية، تشمل هذه الاحتياجات:
1 - الاحتياجات الفسيولوجية.
2 - احتياجات الأمان (احتياجات السلامة).
3 - الاحتياجات الاجتماعية.
4 - الاعتبارات (احتياجات التقدير).
5.- تحقيق الذات.
والذي يبدو أنه على الرغم من كثرة النظريات المتعلقة بالموضوع وكثرة الجدل حولها فإن هرم ماسلو يظل هو الأقرب للواقع ولبيئات العمل المختلفة.
ومع هذه القناعة إلا أنه ومن خلال تجربتي الشخصية الطويلة في قطاعات العمل كلها الحكومي والأعمال والأكاديمي وغيرالربحي فقد تلاحظ لي وجود اختلاف جوهري فيما يتعلق بقدرة الحوافز على التأثير على العاملين ودفعهم نحو مزيد من الإنجاز وحفزهم على الإبداع والتطوير.
اتضح لي من خلال تجربتي العملية في قطاعات العمل الأربعة أنه من غير المناسب تبني نموذج واحد للتحفيز في المنظومة وتطبيقه في كافة الظروف وعلى كافة العاملين على اختلاف ثقافاتهم ورغباتهم وأعمارهم ..إلخ. حيث يبدو أن أثر الحافز يختلف وفقا للإرث الثقافي الذي يحمله العامل وللجنس والعمر ومستوى المعيشة والحالة الاجتماعية .. إلخ.
ونظراً لأننا نعيش فترة استثنائية تستند ماكينة العمل فيها على التقنية والإنترنت والعمل عن بعد. وربما تشتمل منظومة العاملين فيهاعلى أفراد يعملون في بيئات متباعدة جغرافيا ومختلفة ثقافيا ومتناقضة من حيث مستوى المعيشة والموروث الثقافي. وبالتالي فقد تكون متطلبات وحاجات وطموحات كل منهم مختلفة عن الآخر. لذا فلم تعد بيئة العمل بيئة محلية يمكن التعامل مع احتياجات العاملين فيها بمنهج واحد، وإنما أصبحت منظومة العمل في معظم المنظمات تضم فريقا من العاملين الذين يحملون هوية عالمية (Global citizen). الأمر الذي يقودنا إلى البحث عن آلية ومنهج جديد لحفز العاملين يستجيب لمستجدات المرحلة ويأخذ في الاعتبار التنوع الثقافي واختلاف حاجات العاملين.
فعلى سبيل المثال، يلاحظ أن هناك اختلافات بين الإحتياجات الفردية للعاملين من دول الخليج وأقرانهم حتى من الدول العربية المجاورة الذين يعملون في نفس بيئة العمل، وبالتالي اختلاف أثر محفز الأداء الواحد على كل منهم وفقاً لحالته المعيشية وانتمائه الثقافي. ففي الوقت التي يتجلى فيه أثر المحفز المادي على مجموعة منهم بشكل جلي تجد أن زميله في ذات العمل والتخصص والمستوى الإداري له احتياجات اجتماعية أو إدارية أخرى يطمح إلى تحقيقها أولاً وقبل المادة.
ففي بعض الحالات نجد أن اتاحة الفرصة للموظف بأن يعمل عن بعد يوم في الأسبوع مثلا أو منح العامل فرصة يوم للغياب عن العمل ذا أثر كبير على أدائه على خلاف أثر نفس المحفز على زميله في العمل.
الذي أردت أن أصل إليه هو أننا بحاجة إلى بناء منهج جديد لحفز العاملين، منهج يستجيب لمستجدات المرحلة السحابية لبيئة العمل ويأخذ في الاعتبار تنوع ثقافات العاملين واختلاف البيئات الجغرافية والاجتماعية والمعيشية التي يقطنون فيها، وكون البعض منهم يعمل في بيئة فضائية.. فلم تعد بيئة العمل هي ذاتها هي بيئة الحياة الاجتماعية. وبالجملة، فإنه يحسن بنا مراجعة كثير من نظريات وقواعد العمل الإداري وصياغة أسس ومناهج إدارية جديدة تنسجم مع مستجدات المرحلة وتتفاعل مع تطورات الذكاء الإصطناعي وذكاء الأعمال والرقمنة وكل معطيات الثورة الصناعية الرابعة. نحن أحوج ما نكون إلى عجلة جديدة.. فكما قيل: الذي أوصلك إلى ما أنت فيه لن يوصلك إلى ما تبتغيه.
وفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى.