د.شريف بن محمد الأتربي
بدعوة كريمة من الأخ منصور بن علي رئيس قسم شؤون الطلاب بإدارة تعليم الهيئة الملكية بالجبيل لزيارة المدينة والتعرّف على الخدمات التعليمية التي يتم تقديمها للطلبة والتشاور في آلية التعاون بين الهيئة وشركة تطوير لتقنيات التعليم، قمت بزيارة سريعة لهذه المدينة الجميلة ذات الطبيعة الساحرة.
انطلقنا مع نسمات الفجر الباردة من الرياض، نقطع الطريق قطعاً، وكلنا شوق لرؤية الجبيل، تلك المدينة الصناعية التي تقع على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وهي تعد واحدة من أبرز المدن الصناعية في البلاد، حيث تقع على الخليج العربي بالقرب من مدينة الدمام، وقد تأسست في السبعينيات من القرن الماضي، وتعتبر مركزًا مهمًا للصناعات البتروكيماوية والتصنيع، حيث تعد مركزاً للعديد من المصانع الكبرى بما في ذلك مصافي النفط ومصانع الكيماويات. تتمتع الجبيل ببنية تحتية متطورة، مع مرافق تعليمية وصحية وترفيهية، كما تحتوي على مناطق ساحلية جميلة وحدائق. تعتبر الجبيل جزءًا من رؤية المملكة 2030، حيث تسعى لتطوير الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات في مختلف القطاعات.
وصلنا إلى إدارة التعليم ومنها انطلقنا إلى مدارس الرواد وهي من المدارس الحديثة إنشاءً، العريقة علمياً. صحبنا الأخ العزيز الأستاذ خالد الحربي مدير المدرسة في جولة داخلها، تفقدنا الفصول والممرات، والمعامل والصالات، شهدنا تعليماً متميزاً في كل جانب من جوانبه، وتوفيراً لكل ممكنات التعلّم للطلبة، زرنا أحد الفصول، وأطلعنا على تدريس المعلم، واستيعاب الطلبة، وفي خطوة مفاجئة من المعلم نفسه، طلب أن يقوم بالشرح أحد الطلبة، ليرتدي عباءة المعلم، ويشنف أذاننا بكلمات جميلة، وعبارات تشجيعية لزملائه، يسأل أسئلة احترافية، والإجابة عندهم صحيحة وحاضرة، لم أكن أريد المغادرة، فالشرح والحوار والتقنية، مع شخصية المعلم الحاضرة، هي خلاصة التجربة.
دار الحوار حول كيفية تحقيق هذا النجاح، والتفوق على أعرق المدارس وأقدمها في اختبار القدرات، كانت الإجابة واضحة: نحن نخرط الطلبة في العملية التعليمية، هم مساهمون فيها بكل ما لديهم من العلم والمعرفة، على مدخل الفصل تجد شاشة توضح لك ما يقدم وما سيقدم لهذا الفصل، ومما يسعدنا أن تجد بصمة هؤلاء الطلبة في كل جانب من مرحلة التعلّم.
نحن نضع مستقبل الطالب نصب أعيننا، ونعلمهم كما يحبون أن يتعلموا، نحن نكيف التعليم لهم، ولا نكيفهم هم للتعليم، ننتهج منهج التعلّم التكيفي، حيث نقدم التعلّم وفقاً لأنماط وأساليب وخصائص المتعلمين المختلفة، وفقاً لطريقة تعلّم كل متعلِّم، سواء أكانت طريقة تقليدية أو إلكترونية، وذلك بمراعاة الفروق الفردية، وهذا هو سر نجاحنا، ولا أنسى في هذا الموقف ذكر مدى الحرص على النظافة والترتيب، ورائحة العطر التي تملأ الأرجاء.
بعد وجبة دسمة من العلم والمعرفة، أعادت لي ذكريات الماضي الجميل، حين شرفت بالعمل معلماً لمدة 25 عاماً، حرصت فيها على مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، ومساعدة ذوي الهمم وأهل القمة، ليفاجئني مضيفي بزيارة ولا أروع لمدرستي الموهوبين، والإبداع (همم)، زيارة أثرت في مشاعري، حفرت فيها معنى جديداً للإنسانية، فكل طلبة هذه المدارس هم متميزون، مبدعون، رغم الابتلاء إلا أنهم للعلم أوفياء، لديهم من القدرات ما تجعلهم أصحاب قمم قبل أن يكونوا أصحاب همم، رأيت رسوماتهم، وتبحرت في مخيلاتهم، البراءة تبرق كالبرق في كل الأعمال، أطفال بارعين، في كل شيء يقومون به.
كانت الجولة بصحبة المبدع الأستاذ سعود الشهراني مدير المدرسة، من فرط سعادتي بما يقدمه وفريق عمله لم أكن أرغب في المغادرة، فالمكان يشع بهجة وسروراً، والمعلمون والطلبة متناغمون كأسرة واحدة، كل الممكنات مسخّرة لهؤلاء الأبناء حتى يستطيعوا الاندماج في المجتمع بكل سهولة ويسر، وحتماً كان لا بد من الفراق، وختام الجولة الجميلة في المدينة الرائعة بزيارة قاعة الإبداع، حيث تعرض جميع الإنجازات، وتبرز التضحيات، من أجل مستقبل واعد، لرؤية واعدة، فهذا الجيل، هو جيل الرؤية، جيل محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه.