د. عبدالحق عزوزي
إن الحق في الحياة، وقدسية نفس الإنسان، كيفما كان انتماؤه وجنسه ولغته ولونه، هو الذي يدعو البشر إلى المسارعة لتوخي الأمن وإيقاف قاطرة امتلاك الأسلحة النووية، بدلا من عض أصابع الندم لاحقا... ونفهم جليا سبب منح جائزة نوبل للسلام للعام 2017 لمنظمة «الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية» (آيكان) تكريما لجهودها بهذا الصدد منذ عقد، وذلك على خلفية الأزمتين مع إيران وكوريا الشمالية. وكانت قد صرحت رئيسة لجنة نوبل النرويجية بيريت رايس أندرسون أن «المنظمة تفوز بالجائزة مكافأة على عملها من أجل لفت الانتباه إلى التبعات الكارثية لأي استخدام للسلاح النووي، ولجهودها السباقة من أجل التوصل إلى معاهدة لحظر مثل هذه الأسلحة».. كلامها هذا يجيب عن تساؤل العديد من المتتبعين عن جدوى كل تلكم السياسات الاحتوائية التي تقوم بها الدول العظمى في حق دول ككوريا الشمالية في مجال الأسلحة النووية؛ فبعضهم يجهل أن مثل هاته الأسلحة الفتاكة في أيدي أنظمة متهورة وسلطوية حتى النخاع قد يزيل مدنا بل بلدانا من الخريطة الجغرافية في رمشة عين.
وأنصح من يريد فهم الموضوع جيدا قراءة كتاب مايكل كريبون: «الأمن أولا... قبل الندم! مفارقات التعايش مع القنبلة». في هذا الكتاب يشبه الخبير الاستراتيجي النظام العالمي لمنع الانتشار النووي الذي استغرق إنشاؤه عقودا كثيرة من الزمن، بمشروع لتشييد مبنى؛ ولاشك في أن أسس مبنى كهذا، ستمتد قوتها من قوة التصميم المشترك للدول الخمس المالكة للأسلحة النووية، وللأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أيضا... وتتحمل الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها القوة العظمى في العالم، المسؤولية العظمى كذلك، إزاء ما يتعلق بصون هذا المبنى والمحافظة عليه، ولو أنها تخلت عن هذه المهمة، لما عاد موقع البناء آمنا. وحتى لو أن واشنطن أدت مهمتها هذه على أفضل وجه، فسيظل لزاما على كل من روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا العظمى، تقديم الدعم لهذا المشروع ومساندته؛ ومتى ما حرص أعضاء مجلس الأمن الدائمون الخمسة على توحيد جهودهم وضمان انسجامهم في وجه مخاطر الانتشار النووي، فسيغدو هذا المبنى ملاذا يعول عليه. أما إن هم أعطوا مصالحهم الأمنية والتجارية الوطنية الأسبقية، على هموم الانتشار النووي ومخاوفه، فسيصبح المبنى آيلا إلى السقوط.
وهذا ما نؤكده مع العديد من الخبراء الاستراتيجيين فيما يتعلق بمسألة كوريا الشمالية، فهي لا تعني فقط أمريكا أو اليابان أو كوريا الجنوبية وإنما العالم بأسره، وهاته المشكلة معقدة ومتعددة الأبعاد، ولا يمكن حلها فقط من قبل الولايات المتحدة لوحدها من خلال ضربات نووية أو تقليدية استباقية، فاعتماد الهجوم العسكري لنزع السلاح النووي في كوريا الشمالية مسألة جد صعبة وغير مضمونة النتائج، وقد يؤدي ذلك لا محالة كوريا الشمالية إلى انتقام نووي.
فعلى جميع المعنيين في غرب المحيط الهادئ بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، أن يكونوا جزءاً من المعادلة، خاصة وأن كوريا الشمالية تفرض نفسها اليوم على العالم بشروط واقعية صارمة. فبيونغ يانغ، ترى أن دول العالم بأسره تكرهها وأن البطاقة الرابحة الوحيدة للنظام ضد الجميع، هي طبعا الأسلحة النووية. ولأنّ بقاء نظام كيم يعتمد على قدرته النووية، فإنّ بيونغ يانغ لن تتخلى أبداً عن تلك الأسلحة تحت أي ظرف من الظروف. وهكذا، فإنّ أفضل رد أميركي-دولي على كوريا الشمالية هو الاحتواء والردع، وإجراء حوار ذكي معها مع القبول في الوقت نفسه بأن كوريا الشمالية أضحت اليوم قوة نووية.
إن التاريخ النووي، حافل بالمفارقات، والمستقبل يخبئ المزيد منها، ولا يختلف اثنان على أن دول العالم العاقلة يجب أن تكون صارمة مع كل أولئك الذين يسعون إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل. ومهما يكن من أمر، فإن الممر الآمن خلال هذا العصر النووي هو استيعاب كل المعطيات الاستراتيجية بدقة، وتملك الحكمة الواقعية ضد أي وافد جديد، وإلا فإن البشرية ستعاني من حماقات أناس يتركون شعوبهم جُوعا لتمتلك بلدانهم هاته الأسلحة، وستعاني في نفس الوقت من عدم استبصار القادة الغربيين، حماة المبنى سالف الذكر، عندما لا يجيدون فهم مسألة التدخل الاستباقي متى يجب وكيف يجب أن يكون، ولا حتى كيف يجب أن تتم مسألتا الاحتواء والردع..