د.محمد بن عبدالرحمن البشر
هل حقاً بدأ بعض منا يفقد فهمه للسلوك الإنساني وما يرتبط به في جميع مناحي الحياة الاجتماعية، فلو عدنا إلى الوراء وفي العصر الحجري القديم جداً نجد أن البشرية متناثرة هنا وهناك وتعيش في مجموعة ربما لا تتجاوز عشرين فرداً، تعيش إما في الكهف أو في الغابة، ولا تتنافس أو تتقاتل لأن متطلباتها محدودة ومتاحة، فهي لا تتعدى الأكل المتساقط من الشجر التي تقوم بالتقاطه، أو صيد حيوان يمر أمامه، أو ماء يشربه، وكل ذلك متاح بكميات تفوق حاجته بكثير، وكل ما حوله ملك له فلديه الدنيا بأسرها يسرح فيها ويمرح.
بعد انحسار الجليد وبداية التصحر أخذ الإنسان الرعوي يستقر ويشكل مجموعات على ضفاف الأنهر وفي المناطق الخصبة وكثيرة المطر حيث يمكنه الصيد والزراعة، ومن ثم أخذت كل مجموعة تكبر وتحاول ضم من حولها، وهنا بدأ الإنسان مرحلة جديدة يمكن تسميتها مرحلة التنافسية، وبدأت منها الأنانية تبرز للوجود فكلٌّ يريد أن يسود، أو يكون ثرياً ليعيش عيشة كريمة، أو كي يبز أقرانه، وتطور فيما بعد، فتكونت الدول وظهرت الطموحات غير المحدودة بين الأسر وكذلك المجموعات داخل الدول، أو بين الدول نفسها، فكانت الحروب التي أفنى الإنسان فيها أخاه الإنسان.
جاءت الرسالات السماوية لتهذب السلوك الإنساني وتحرم الظلم والاضطهاد، وتهدي الإنسان إلى التوحيد ووضع شرائع وقوانين تحدد سلوكه، وتقمع شهوته المادية والجسدية، وتنظم العلاقات الأسرية والمجتمعية، وبهذا يسير الإنسان طبقاً لقانون رباني، وحاول الفلاسفة وضع قوانين تنظم سلوك الأفراد والمجتمعات مثل حمورابي وغيره، لكن رغبات الإنسان وسلطته جعلته يتجاوز القوانين والأعراف، ومع هذا يجد من يصفق له خوفاً أو طمعاً أو كرهاً لمن طالته غائلة المتسلط.
اليوم إسرائيل لديها سلطة بلا شك فهي مدعومة من أقوى دولة في العالم، ومن المحزن أن تغلب الرغبات الجامحة على الحدود المقبولة، فيتم تجاوز القوانين الدولية، والأخلاق الإنسانية والأعراف المجتمعية، فمن العجب فكرة طرح تهجير شعب وأخذ أرضه واستثمارها للآخرين، شعب عاش أجداده منذ آلاف السنين على هذه الأرض، فارتبط بها وأصبحت جزءاً من كيانه، وبكل بساطة وبرغبة مجموعة معينة ممن لديهم السلطة يتم طرح طردهم، والفرض على الآخرين إيواءهم، ليحل محلهم شعب آخر يتم تهجيره من أصقاع الدنيا.
لم أعد أفهم هذا السلوك الإنساني الذي يحدث ونحن في عصر وصل فيه التقدم العلمي المادي قمته، وأصبح الإنسان قادراً على العيش الكريم، أو التدمير الهائل، كما حدث من تدمير في غزة، فلم نعد نفهم، وكانت المملكة العربية السعودية وموقفها النبيل محورياً تلتف حوله الشعوب والقادة لأنه حق ومبني على حق.