بدر الروقي
للعيون لغةٌ تتحدَّثُ ولسانها النظر، وتنطقُ وبيانها التحديق. والعيون نوافذٌ نستطيعُ من خلالها الاطِّلاع على خبايا أصحابها من كلام وأحاسيسَ وانكسارات وانتصارات، صادقةٍ كانت أم كاذبة، نابعةٍ من عمق المحبة أو من قاع الكراهية.
تلك الصور باختلاف أنماطها وتقاطعاتها تعكسها نظراتُ العيون وتظهرها جليا، وإن لم تحكِ بها الأفواه أو تنطق الألسن.
وصدق الشاعرُ العربي حينما قال:
العَيْنُ تُبْدي الذي في قَلْبِ صاحبِها
مِن الشَّناءَةِ أوْ حُبٍّ إذا كانا
والعينُ تَنْطِقُ والأفْواهُ صامِتَةٌ
حتى تَرى منْ ضَميرِ القلبِ تِبْيانا
يرى جون أموديو: «أنه يمكن للبشر التواصل عن طريق العين من دون حروف وحركات، ومن هذا تواصل المواليد حديثي الولادة مع أمهاتهم بلغة العين؛ لأنها وسيلة الاتصال الأولى» ويؤكد علماء النفس أنَّ (العين) أقوى عناصر الاتصال الجسدي غير المباشر بين البشر، كما أنها أقوى أدوات لغة الجسد، والعين أول مفاتيح الشخصية، بماتنقله من معان تدور بالعقل.
وهناك تقسيمات وتفسيرات وقراءات علمية دقيقة للغة العيون اهتم بتشخيصها ودراستها المتخصصون والدارسون في مجال علم النفس يكفينا منها؛ لنتحدَّث عنه ونستفيد منه لغة العين الكريمة.
فالعينُ الكريمة هي التي بخِلَتْ في مراقبة عيوب الخلق، وشحَّت عن تتبعِ عوراتهم؛ وأسدلت دونها ستار الستر، وشيَّدت دونها جدار التغافل، فأَسَرَتْ ما رأت خلف قضبان العفو، وقيَّدَتهُ في قفص الصفح، وحكمت عليه بالنسيان المؤبد.
العينُ الكريمة هي التي دائمًا ما تنشغلُ وتتشاغل بما فيها من التقصير والخطأ والعيب، وتغضُّ الطرف عن زلل البشر؛ متيقنةً أنَّ بدايةَ التأخير هي مراقبة الغير، ومؤمنةً بقول خير الناس وقدوتهم محمد -صلى الله عليه وسلم-: «يبصر أحدُكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه».
وعموم المعنى هنا يشيرُ على من يُبصر عيبَ غيره ولو كان صغيراً ويتحدَّثُ به، ولا يبصرُ عيبَ نفسه الظاهر.
العينُ الكريمة تضفي على صاحبها الطمأنينة والعافية والراحة إذ إنها تُبصر الجميل وتراهُ ولو على سبيل الخيال، وتتعامى وتتغابى مما قد يقع من المكروه، ولو كان واقعاً مشاهداً، وكأنَّ لسان حال صاحبها يردد:
وأُغمِضُ عَينِي عن أمورٍ كَثيرةٍ
وإنِّي عَلَى تَرْكِ الغُمُوضِ قَدِيرُ
وَمَا مِنْ عَمَى أُغْضِي وَلَكِنْ لَرُبَّمَا
تَعَامَى وَأَغْضَى المَرْءُ وَهْوَ بَصِيرُ