أ.د.عبدالرزاق الصاعدي
بعد أن فرغت من الحديث عن التعريفات والشروط والضوابط والأدبيات للفوائت، أنتقل إلى صلب الموضوع ولبّه، وهو الفوائت نفسها، وهي من مصادر قديمة متعددة ومتنوّعة، وأرجو أن أجمع منها أكبر قدر ممكن، وسأبدأ بذكر فوائت في كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة، وكنت أشرفت على رسالة دكتوراه في المعاني الكبير لابن قتيبة للباحث إبراهيم دوكوري، وعنوانها (المستوى المعجمي في كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة) أشارت الرسالة إلى جملة من الفوائت، منها:
1/ اسْتَبْلى يَسْتَبلي:
أنشد ابن قتيبة
خِطْبِي وهَزّتْ رأسَها تَسْتَبْلي
تسألني من السنين كم لي
قال (المعاني الكبير 2/ 816) «خطب الرجل: المرأة يتزوّجها، وهزّت رأسها: تهزأ بي، تستبلي: تختبر وتنظر ما عندي، من بلوت». وهذا الفعل بهذا البناء وهذا المعنى لم يرد في المعاجم التي بين أيدينا، وهو من الفوائت، فليستدرك.
2/ بايَتَهُ يُبايِتُهُ:
أنشد ابن قتيبة لذي الرُّمّة يصف القانص وقُترته:
يُبايِتُهُ فيها أَحَمُّ، كأَنَّهُ
إباضُ قَلُوصٍ أَسْلَمَتْها حِبالُها
وهذا الفعل -بايَتَ يبايت على وزن فاعل- لم يرد في المعاجم في جذره (بيت) واشتقاقه من البَيَات والمبيت. والغريب أنّ الأزهري ذكر البيت ومعه بيت آخر شاهدا في مادة (قرن) لكلمة قرناء، ولم يفطن للفعل يبايت، وتبعه صاحب اللسان، فهو فائت، فليستدرك.
3/التَّبْرِيمُ: الفتل:
أنشد ابن قتيبة (1/ 136) لأبي دُواد:
رهلٌ زَوْرُها كأنَّ قَراها
مَسَدٌ شدَّ متنه التبريمُ
ومعناه: البرم، قال ابن السِّيد البطليوسي (الاقتضاب 3/ 99) بعد أن ذكر الشاهد: «والتبريم: الإبرام والإحكام» قلت: وفعله برّم -بتضعيف العين- ومصدره التبريم لم يرد في المعاجم، فليستدرك الفعل ومصدره.
4/ الباضعة:
أنشد ابن قتيبة للشنفرى:
وباضِعَةٍ حُمْرِ القِسِيِّ بَعَثْتُها
ومَنْ يَغْزُ يَغْنَمْ مَرَّةً ويُشَمَّتِ
قال (2/ 1055): «باضعة: أصحاب جِراح وغزو، وهم الرّجّالة الذين يقطعون كل شيء». قلت: وهذا المعنى للباضعة لم يرد في المعاجم، وفيها: الباضعة: شجّة تقطع اللحم. والباضعةُ: قطعة من الغنم انقطعت عن الغنم، ولم يرد هذا المعنى الذي في البيت فهي دلالة فائتة، لم ترصدها المعاجم، فلتستدرك. مع أن البيت ورد في المحكم واللسان، في مادة (شمت) شاهدًا للفعل يشمت، ولم يلتفتوا للباضعة بهذا المعنى.