د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
الغضا شجر بريّ كالأثل؛ ولكنه لا يرتفع ارتفاعه، صُلب السوق يحتطب، ويوقد به وتتميز ناره بشدة الحرارة؛ ولذلك يكوى به، ويوصف الطعام الحار بأنه مطبوخ على غضا، وإن لم يكن كذلك، وعبر الشعراء عن شدة وجدهم بتقلبهم على جمر الغضا.
كتبت الألف منه بالمشالة كألف عصا وبالياء كألف فتى، وربما وجدنا البيت الواحد أثبت بالرسمين، نحو قول امرئ القيس:
أقَبَّ كسِرْحانِ الغَضَا مُتَمَطِّرٍ
تَرَى الماءَ من أعْطَافِهِ قد تحدَّرَا
جاءت (الغضا) بالألف المشالة في ديوانه بشرح المصطاوي، وفي شرحي الشنتمري والنحاس(1). وجاءت (الغضى) بالياء في ديوانه بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، وديوانه بجمع وتحقيق السندوبي(2).
وتكرر لفظ الغضا/ الغضى في أبيات مالك بن الريب، قال:
أَلَا لَيْتَ شِعري هَلْ أبيتَنّ ليلةً
بجَنبِ الغَضَا، أُزجي القِلاص النّواجِيا
فَلَيتَ الغَضَا لم يقطَعِ الركبُ عَرضَهُ
وليتَ الغَضَا مَاشىَ الركابَ لَياليِا
لقد كان في أهل الغضا، لو دنا الغضا
مزارٌ، ولكنّ الغضا ليْسَ دانيا
هكذا جاءت بألف مشالة في (جمهرة أشعار العرب)، وأما في (الاختيارين المفضليات والأصمعيات) وفي أمالي المرزوقي، فجاءت بالياء(3).
وربما رسمت بالرسمين في بيت واحد، قال يحيى بن سعيد البهراني(4):
ساروا يؤمون الغضى منزلا
وفي الحشا جمر الغضا تسعر
وكذلك وردت في بعض المعاجم بالرسمين، أوردها الأزهري في صفحة واحدة، قال «قلت: قولُه: نارٌ غاضيةٌ: عظيمةٌ، أُخذ من نَار الغضى، وَهُوَ من أجْوَد الوقودِ عِنْد الْعَرَب، يُقَال: غضاةٌ وغضًى، وَيُقَال لِمَنبتِها: الغَضْيا. وَقَالَ ابنُ السّكيت: يُقَال للإبلِ الْكَثِيرَة غَضْيا: مَقْصورٌ شُبِّهتْ عندِي بمنابتِ الغضَى». ونجد أنه يروي أيضًا «عَن ابْن السّكيت: يُقَال: هَذَا بعيرٌ غاضٍ: إِذا كَانَ يأكلُ الغضَا، وإبلٌ غواضٍ، فَإِذا اشْتَكى من أكْلِ الغضَا قيل: بعيرٌ غَضٍ، فَإِذا نسَبْتَه إِلَى الغضا قُلتَ بعيرٌ غَضَوِيٌّ»(5).
من المعجمات ما يكتبها بالياء (الغضى) كالصحاح والقاموس ويجعلون المدخل (غضي)، قال الجوهري(6): قال طرفة:
وكرّي إذا نادى المضاف مجنبا
كَسِيدِ الغَضى نَبَّهْتَهُ الْمُتَوَرِّدِ»
ومن كتب اللغة ما يكتبها (الغضا) ولا نجد مدخل (غضو)، ولكن نجد مدخل (غضا) وتحته كتبت (الغضى).
وجاءت في مقصورة ابن دريد بالألف المشالة، قال:
وَاشْتَعَلَ الْمُبْيَضُّ في مُسْوَدِّهِ
مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ في جَزْلِ الْغَضَا
واختلف اللغويون، فمنهم من ذهب إلى أن لامها واو فتكتب بألف مشالة، ومنهم من ذهب إلى أنها ياء فتكتب ياءًا، قال الفراء «والغضا بالألف شجرٌ ونبتٌ»(7). وقال ابن ولّاد «والغضا جمع غضاة وكتابه بالألف»(8). وقال ابن هشام اللخمي «الغضا: ضرب من الشجر ناره بطيئة الخمود، يكتب بالألف»(9). ونص ابن خالويه على أنها تكتب بالألف، وعزّز قوله بجمعها جمع سلامة، قال «والغضا تكتبه بالألف، وجمعه: غَضَوات»(10). ويؤيد واويتها مجيء علم من مثناها الواوي، قال «(ذو الغَضَوَيْنِ) بفتح الغين والضاد، تثنية الغضا: موضع»(11).
ولم يفسر اللغويون رسمها بالياء فلم يبينوا ألغة هي أم انقلاب، إلا الشجري الذي ذهب إلى أصالة الياء وفرعية الواو، قال «وألف الغضا أصلها الياء، لقولهم: أرض غضياء»(12). إذن فالألف عنده في (الغضا) منقلبة عن الياء في (الغضى). ولعل الأقرب أن تكون الواو أصلًا وقلبت إلى ياء، لأن قلب الواو ياءًا كثير، وهو مطّرد فيما تجاوز ثلاثة الأحرف. وتكون غضياء من تدريج اللغة على مذهب ابن جني.
**__**__**__**__**__**
(1) ديوان امرئ القيس، عناية وشرح: عبدالرحمن المصطاوي، ط2، دار المعرفة/ بيروت، 1425ه/2004م، ص96. فحول العرب في علم الأدب: شرح ديوان امرئ القيس لأبي الحجاج يوسف بن سليمان الأعلم الشنتمري، عني بتصحيحه ابن أبي شنب، 1394ه/1974م. ص173، وشرح ديوان امرئ القيس لأبي جعفر النحاس، بفهرسة وتعليق عمر الفجاوي، وزارة الثقافة/ الأردن، 2002م، ص110.
(2)ديوان امرئ القيس، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، ط5، دار المعارف بمصر/ القاهرة، 1990م، ص67. ديوان امرئ القيس جمعه وقدم له وحققه حسن السندوبي، ط1، دار إحياء العلوم، 1410ه/1990م، ص 107.
(3) جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، حققه وضبطه وزاد في شرحه: علي محمد البجادي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1981م. ص607. علي بن سليمان الأخفش الأصغر، تحقيق: فخر الدين قباوة، ط1، دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان، دار الفكر، دمشق – سورية، 1420هـ - 1999م. ص620-621. أمالي المرزوقي لأبي علي أحمد بن محمد المرزوقي، تحقيق: يحيى وهيب الجبوري، ط1، دار الغرب الإسلامي/ بيروت، 1995م، ص 235-236.
(4) تاريخ مدينة دمشق، وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها، لأبي القاسم علي بن الحسن، ابن عساكر، دراسة وتحقيق: محب الدين أبو سعيد عمر بن غرامة العمروي، ط1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت، 1415هـ - 1995م. 64/ 237.
(5) تهذيب اللغة، لأبي منصور الأزهري، تحقيق: محمد عوض مرعب، ط1، دار إحياء التراث العربي/ بيروت،2001م، 8/ 147.
(6) الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط4، دار العلم للملايين/ بيروت، 1407هـ - 1987م. 1/ 116. وفي الديوان بالألف المشالة، انظر: ديوان طرفة بن العبد، بشرح وتقديم مهدي محمد ناصر الدين، ط3، دار الكتب العلمية/ بيروت، 1423هـ - 2002م. ص25.
(7) المقصور والممدود للفراء، أخرجه الميمني وعارضه بنسخة جديدة عبد الإله نبهان ومحمد خير البقاعي، دار قتيبة، 1403ه/ 1983م. ص67.
(8) المقصور والممدود لابن ولاد، أبي العباس أحمد بن محمد، تحقيق: بولس برونله، مطبعة ليدن، 1900م. ص: 92.
(9) الفوائد المحصورة في شرح المقصورة لابن هشام اللخمي، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، ط1، دار مكتبة الحياة، 1400ه/1980م. ص57. وانظر: ص 237.
(10) ابن خالويه وجهوده اللغوية مع تحقيق كتابه شرح مقصورة ابن دريد، تحقيق: محمود جاسم محمد، ط1، مؤسسة الرسالة، 1407ه/ 1986م. ص162.
(11) مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، لعبد المؤمن بن عبد الحق، ط1، دار الجيل/ بيروت، 1412هـ، 2/ 997.
(12) «أمالي ابن الشجري لضياء الدين أبي السعادات هبة الله بن علي بن حمزة، ابن الشجري تحقيق: محمود محمد الطناحي، ط1، مكتبة الخانجي/ القاهرة، 1413هـ/ 1991م. 1/ 119.