حمد سعد المالك
مؤخرًا، لفت انتباهي مقال في مجلة العربي، العدد 790، بقلم محمد الفقي، بعنوان «البوتكس الرقمي في فيلم «هُنا»». تناول المقال كيف ظهر النجمان توم هانكس وروبن رايت في الفيلم بملامح شابة، رغم أنهما في سن قارب الستين. ما أثار فضولي حقًا هو أن قراءتي لهذا المقال تزامنت مع مشاهدتي للفيلم، حيث دهشت من التقنية التي جعلت ملامح الممثلين تبدو أصغر سناً بهذا الإتقان. هذا الأمر دفعني للتساؤل عن كيفية تحقيق هذا التحول البصري المدهش، ليقودني الفضول لاكتشاف دور الذكاء الاصطناعي في هذه الثورة التقنية التي تعيد تشكيل الصناعة المرئية.
يعتمد هذا التأثير على تقنية «إخفاء الشيخوخة» (De-aging)، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق لإعادة تشكيل ملامح الوجه رقميًا. من خلال تحليل صور أرشيفية للممثلين وبناء نموذج رقمي دقيق لهم في مرحلة الشباب، يتم دمج هذه النماذج مع أدائهم في المشاهد الحديثة بطريقة سلسة وطبيعية. تعتمد هذه التقنيات على خوارزميات متقدمة مثل الشبكات العصبية التوليدية (GANs)، التي تحاكي تفاصيل البشرة وتعبيرات الوجه بدقة مذهلة.
ولا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي في الصناعة المرئية على تصغير أعمار الممثلين فقط، بل يشمل مجالات أوسع، مثل تحسين جودة الصور والمؤثرات البصرية، وإعادة إحياء الشخصيات التاريخية، وحتى تمكين الممثلين من أداء أدوار تمتد عبر مراحل عمرية مختلفة في الفيلم ذاته. مع استمرار تطور هذه التقنيات، يتجه الإنتاج المرئي نحو مرحلة جديدة تعيد تعريف حدود الإبداع السينمائي والتلفزيوني، مما يفتح آفاقًا غير مسبوقة لصُنّاع المحتوى البصري.
وليس فقط سيؤثر هذا العصر الجديد من التقنيات على المجال التلفزيوني والسينمائي، بل أيضاً سيتجه تأثيره إلى مستقبل الوظائف في قطاع الإنتاج البصري؟ تشير دراسة أعدها آدم فاولر، الخبير الاقتصادي في شركة CVL Economics، بتكليف من مجموعات عمالية تمثل رسامي الكاريكاتير وفناني هوليوود، والتي نشرتها صحيفة العرب في مقال بعنوان: «من ينقذ هوليوود من مذبحة الذكاء الاصطناعي»، إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تغييرات جذرية في سوق العمل السينمائي والتلفزيوني.
ووفقًا للدراسة، فإن 75 % من مديري القطاع قد ألغوا أو خفّضوا أو دمجوا وظائف بعد إدخال الذكاء الاصطناعي في بيئات العمل. ويتوقع فاولر أنه بحلول عام 2026، سيتم إحالة أكثر من 100 ألف وظيفة من أصل 550 ألف وظيفة في صناعة السينما والتلفزيون إلى التقاعد، مما يعكس الأثر العميق للذكاء الاصطناعي على مستقبل الترفيه والإنتاج المرئي.
لم تغب آراء النقاد والعاملين في صناعة السينما والتلفزيون عن هذا الموضوع، إذ يرى بعضهم أن الذكاء الاصطناعي شر لا مفر منه، بينما يؤكد آخرون أنه لا يزال بعيدًا عن أن يكون بديلاً كاملاً للعنصر البشري. جورج لوكاس، المخرج والمنتج السينمائي الشهير، أشار إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام أمر لا مفر منه، مما يعكس قبولًا متزايدًا لهذه التقنية في أوساط الصناعة.
أما المخرج جيمس كاميرون، ذكر أن استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريوهات لا يزال بعيدًا عن تحقيق مستوى الإبداع البشري. قال: «دعونا ننتظر 20 عامًا، وإذا فاز الذكاء الاصطناعي بجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو، فأعتقد أننا يجب أن نأخذ الأمر على محمل الجد».
كما أصبح من الممكن الآن إنتاج أفلام كاملة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأقيمت لها مهرجانات وجوائز مخصصة. ولم يعد الذكاء الاصطناعي في مجال السينما والإنتاج المرئي مجرد موضوع للنقاش، بل أصبح جزءًا أساسيًا من الصناعات السينمائية والفنية الحديثة. على سبيل المثال، نظمت شركة Runway مهرجان أفلام الذكاء الاصطناعي القصيرة في نيويورك ولوس أنجلوس، حيث شارك أكثر من 3000 فيلم، فاز منها 10 أفلام.
إذاً، لا بد أن نعترف أن الذكاء الاصطناعي يقتحم بقوة مجال الإنتاج المرئي، سواء في السينما أو التلفزيون، ليصبح جزءاً أساسياً من هذه الصناعة. ومن المتوقع أن يواصل تأثيره العميق على كافة جوانب الإنتاج، مما يفتح أمامنا إمكانيات غير محدودة وآفاقًا جديدة. لنجعل من هذه التقنية أداة تكمل إبداعنا البشري، بحيث نتمكن من إنتاج أعمال وبرامج مرئية ملهمة تجمع بين عبقرية العقل البشري وإبداع هذه التقنية المتطورة.