سليم السوطاني
تظل الرواية السعودية لها ثقلها في الأدب العربي المعاصر، وفي هذه المقالة سأورد أسماءً روائيةً أسرتني تجربتها السردية، وقد قرأت غالبية إنتاجها الروائي، إذا لم يكن جميعها..
هنا أكتب وجهة نظري – بصفتي قارئًا - وتجربتي مع قراءة الأعمال الروائية، بعيدًا عن رؤى النقد. واختياري للأسماء الواردة في هذه المقالة لا يعد انتقاصًا من بقية الروائيين السعوديين، فهناك أسماء مبدعة، لكنني فضلتها لأسباب سأذكرها لاحقًا.
أول الأسماء الروائي الكبير «عبده خال» صاحب الإنتاج الوافر واللُّغة السردية الرشيقة. وما جعلني أقرأ جميع أعماله وأُفضِّل تجربته، هو عنصر الأحداث المفجعة، والقسوة والوحشية التي تطغى على شخصيات رواياته، واستمرار الأحداث البشعة في تصاعد وتيرتها، بحيث لا تستطيع الخروج منها، وإنما تظل عالقة في ذهنك، وتسيطر على تفكيرك حتى بعد الانتهاء من قراءة الرواية. وأتساءل، بيني وبين نفسي: تحت أي ظرف كان يكتب الأستاذ عبده تلك الأحداث، وينسج خيوطها، ويصنع شخصياتها الغارقة في الموت، والدم، والوحشية..؟ وكيف خرج من عمق المأساة التي صنعها داخل أعماله بعد الانتهاء من كتابة العمل؟
العمل الروائي قد يأخذ وقتًا طويلًا من الكتابة، يعيش الروائي خلاله مع شخصياته التي صنعها…!
الاسم الثاني هو «محمد حسن علوان» صاحب اللُّغة الشاعرية الباذخة، فعندما تقرأ له كأنك تقرأ «نوتة» موسيقية حزينة، فالصراع الذاتي يدور داخل أحداث رواياته، من عشق، وندم، وكآبة، ورتابة سحيقة، وخيبة، وانكسار.. فتجربته الروائية هي ملاذ المحرومين والمتعبين، تنضح بالألم وتباريح الهوى وقسوة الحرمان.. مدهشة لغته وسردها العجيب للأحداث..
يأتي بعدهم ثالثًا «طاهر الزهراني»، الذي تجسد رواياته صورة القرية، والهوية.. ورمزية الجبل، والأرض وتأثير المكان في الإنسان.. ويتناول عادات القرى، ويربطها بحياة المدينة، ويوضح الصدام بين القديم والجديد، والحضارة والبساطة.. التغيير وتقبله والتصادم معه.. وتجري أحداث رواياته بلغة آسرة وعبارات قصيرة متسقة، يجنح في الحوار - أحيانًا - بين شخصيات رواياته إلى لغة ساخرة تحضر «النكتة» ولهجة أهل المكان فيها.
الاسم الرابع الروائية «ليلى الجهني»، التي تدهشنا بعملها الروائي، ثم تغيب ردحًا من الزمن، ثم تعود بعمل رائع، محافِظةً على وتيرة أسلوبها، الذي يلج من أبواب الأسئلة الوجودية المعقدة، وتناقش ما يخص «المرأة» والعقد التي تحيط بها.. تتخذ من وجودها وفهمه هاجسها الأول.. فأسلوبها الروائي مختلف جدًا حتى في فكرة العمل الذي انبثقت منه الأحداث والشخصيات، وهي تمتلك الجرأة الكبيرة في مناقشة ما يختص بالأنثى من ضعف وقوة، وتركيبها المختلف عن الرجل، من خلال الحمل والولادة والعشق…
آخر الأسماء الروائية «رجاء عالم»، فإذا أراد القارئ أن يقرأ الحياة المكية فسيجد أحداثها داخل رواياتها.. وتحضر اللهجة المكية بين حوار الشخصيات، وتوظيف الأمثال المكية، وكأنها تريد توثيق أمثال أهل مكة عبر الأزمنة المتعددة..
جميع الأسماء التي اخترتها، وأدهشتني تجربتها الروائية، وجدتها اتخذت أسلوبًا خاصًا بها، وظلت محافظة على هذا الخط عبر إنتاجها الروائي، حتى تكونت تجربة روائية ثرية تستحق أن تكون موضعًا للدراسة والبحث، من خلال عناصرها الفنية واللغة السردية المدهشة.. لقد كانت الأسئلة الوجودية حاضرة في نتاجاتهم الروائية، ويحاولون الإجابة عليها بفلسفتهم الخاصة.
هم رائعون حقًا، وتدهشك تجربتهم الروائية وفلسفتهم وصناعتهم للشخصيات.