سطام بن عبدالله آل سعد
في لحظة من الزمن، قد يبدو تجديد عقود اللاعبين المخضرمين خطوة منطقية، لكن حين يصبح الأمر نهجًا أعمى، يتحول إلى آفة تنخر جسد الأندية وتشل قدراتها عن بناء المستقبل. ففي كرة القدم، يوجد فرق بين العاطفة والإستراتيجية، وبين الولاء والتخطيط، وبين الإنفاق المبرر والهدر الكارثي لعقود الوهم التي تعرف بـ(المحرقة المالية) في علم الاستدامة المالية.
ما يجري في الأندية السعودية اليوم هو نموذج صارخ للانجراف خلف العاطفة على حساب الرؤية الرياضية طويلة الأمد. تجدد الأندية عقود لاعبين تجاوزوا الثلاثة والثلاثين بأرقام فلكية تمتد لسنوات دون حسابات منطقية لمردودهم الفني المستقبلي. في المقابل، تعاني أكاديميات الأندية والمواهب الناشئة من التهميش، رغم أنها الضمانة الوحيدة لاستدامة الكرة السعودية.
هل يعقل أن تدفع الملايين للاعب قد لا يصمد أكثر من موسم أو اثنين، بينما يمكن استثمار هذه المبالغ في صناعة جيل جديد يقود الكرة السعودية لعقدين قادمين؟ هذا سؤال لا تطرحه إدارات الأندية على نفسها، حيث تجعل العاطفة المفرطة تدفعها لاتخاذ قرارات تدميرية تقضي على فرص البناء والاستدامة.
النتيجة واضحة، أندية منهكة ماليًا تعتمد على دعم متذبذب وتفتقد لأي منظومة حقيقية لصناعة اللاعبين. لا توجد رؤية إستراتيجية للاستفادة من الأكاديميات، والأموال تذهب نحو لاعبين يترنحون في نهاية مسيرتهم.
بدلاً من أن يكون اللاعب المخضرم مصدر دخل إضافي للنادي، يتحول إلى عبء مالي ضخم يستهلك ميزانية النادي دون أن يقدم قيمة فنية أو تسويقية حقيقية. هذه الملايين التي تُهدر يمكن أن تُستخدم في بناء أكاديميات قوية تُخرج أجيالاً جديدة من اللاعبين الذين يمكنهم خدمة الكرة السعودية لعقود.
الرياضة ليست مشاعر فقط، بل هي اقتصاد، وتخطيط، واستدامة. واستمرار هذه السياسات والممارسات الكارثية سيجعل الكرة السعودية تدور في حلقة مفرغة، حيث يتم شراء الوقت بدلاً من بناء المستقبل. وإذا لم تستفق الأندية من هذا الوهم، فإنها ستجد نفسها بعد سنوات أمام واقع مرير: خزائن فارغة، ومواهب ضائعة، وأندية بلا هوية ولا مستقبل.