العقيد م. محمد بن فراج الشهري
منذ أن عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وهو يوزع القرارات يميناً ويساراً، ويشهر سيفه المجنون للشرق والغرب، وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي (شكينا من أحمد فجا لأحمد ولد) اشتكينا من تخبطات بايدن وعدنا إلى الربع الأول مع السيد ترامب في تضارب عجيب في القرارات التي أصدرها والتي ينوي إصدارها، والمصيبة الكبرى أن من ضمن تصريحاته أنه سيناقش مع نتنياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل والتصريح الأكثر جنوناً وغير انضباطي هو قوله بأنه يريد من مصر والأردن أن تقبلا سكان غزة على أراضيهما، بمعنى يتفق تماماً مع خطط إسرائيل لتهجير سكان غزة بأساليب ملتوية لكنها معروفة ومكشوفة، هذه البوادر لا تبشر بخير بأن ترامب سيسهم في حل مشكلات الشرق الأوسط، ولا قضية فلسطين أبداً، وإذا سار على هذا النهج وهذه الفوضى التي يعيشها في كل قراراته العجيبة فستحل بالمنطقة والشرق الأوسط عامة وفلسطين كوارث لا نهاية لها، وإعادة رسم خريطة المنطقة العربية على هوى إسرائيل وما تتخيله من الأحلام والأوهام التي تغير المنطقة بما يحقق هيمنة إسرائيل بلا منازع، وهذه الأفكار ما زالت تسيطر على العقل السياسي الإسرائيلي الخبيث منذ فترة طويلة، وقبل العدوان الجامح على قطاع غزة، كانت في ذلك جماعات ضغط أمريكية تؤمن بأسس الفكر الصهيوني، وتروج للمقولات الإسرائيلية ذاتها من دون أدنى تدبر وأهمها مقولتان:
الأولى، أن إسرائيل ديمقراطية وسط غابة من التسلط الدكتاتوري والوقوف معها أمر أخلاقي.
والثانية، أن حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها بكل الوسائل الممكنة لا يقبل الجدل.
وهاتان المقولتان أساس لجملة أوهام وتطلعات من قبيل تغيير الإقليم بالقوة، كما أنهم أساس لمقولات فرعية أخرى، من قبيل إحقاق إسرائيل في التوسع الإقليمي، وحق التخلص التام من أعدائها وإفنائهم، والحق في تجاهل الشعب الفلسطيني وحقوقه القومية، والحق في طرده من أراضيه، وطوال خمسة عشر شهراً من عمليات القتل والتدمير المنهجي والشامل لقطاع غزة والعمليات العسكرية المتصاعدة في الضفة الغربية منذ (6) شهور، والتي تماثل في تطبيقاتها ما جرى في قطاع غزة تماماً، حيث تجسدت كل تلك المقولات عملياً، باعتبارها السبيل الوحيد إلى تحقيق الفكر المطلق الذي يؤسس لهيمنة إسرائيل وسلام مفروض، يتجاوز القضية الفلسطينية إلى نطاق جغرافي أوسع؟ يقبل بالرؤية الإسرائيلية من دون منازع.
وحيث يحدد نتنياهو هدف زيارته لواشنطن بالبحث عن السلام من منطق القوة، فهو بذلك يعترف بأن كل ما فعله في قطاع غزة بالقوة المفرطة لم يحقق ما سعى إليه، وبأن تغيير المنطقة وفرض سلام بالقوة هو مجرد وهم كبير لا أساس له. والدلائل التي يظهرها الإعلام العبري ذاته، تكشف هذا المأزق من دون رتوش، والحل الواضح للقضية طرحوه عقلاء المنطقة وهو موضوع على الطاولة الأمريكية، أما إذا استمر ترامب في بعثرة القرارات والتصريحات هنا وهناك، فلن تزيد المنطقة إلا ناراً والتهاباً، وستكون الكوارث المستقبلية أشد فتكاً من سابقتها، وعليه أن يدرك أن حكاية خروج أهالي غزة إلى مصر والأردن، أو غير ذلك هو أمر مرفوض مرفوض مرفوض...
ولن يقبل به عاقل أو مجنون إلا إسرائيل، التي تحلم بذلك لتقوم أمريكا بما عجزت عنه، وهذا أمر يستحيل تنفيذه، وعلى الإدارة الأمريكية إذا ما أرادت إخماد الشر المتطاير في المنطقة أن ترشد سياستها وتساند الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في إحلال السلام، فقد كانت ولا تزال أحد معوقات السلام في الشرق الأوسط، وإذا استمرت هذه السياسة فلن تحقق إلا مزيداً من الكراهية لأمريكا وقادتها، ويتعين على الرئيس ترامب أن يكبح كثيراً من التصريحات التي تساند إسرائيل، ونتجاهل البقية والانحراف إلى اللامعقول لتحقيق ما ليس بمنطقي ولا مقبول، وأن يفرق بين العمليات التجارية، والسياسات الاستراتيجية التي تبني عليها الأمم مستقبلها.. إذ إن هيمنة القطب الواحد لم تعد موجودة وعفا عليها الزمن، ولا بد من التعامل مع الواقع بما يحقق الأمن والسلم العالميين في كافة أنحاء المعمورة.