د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تواصل السعودية جذب استثمارات عالمية لبناء اقتصاد مستعد للمستقبل، وتشدد على أهمية سد الفجوة بين الأمم خلال ما بات يعرف بالعصر الذكي، بل هي جزء من رؤيتها الطموحة، بل إن خطة السعودية الذكية في جذب الشركات العالمية وأن تكون لها مقرات في السعودية جعلها تلتزم بأن تكون السعودية مركزا للتكنولوجيا والابتكار، لأنها ترى ان السعودية تمتلك إمكانات هائلة، فعندما تأتي الاستثمارات الاستراتيجية في الذكاء الاصطناعي لتعزيز النمو في المنطقة وليس فقط في السعودية، وهذه نظرة الشركات العالمية التي أقامت لها مقرات في الرياض.
باريس تقف أيضا إلى جانب الرياض في افساح المجال لصوت أوروبي في الذكاء الاصطناعي للخروج من الثنائية الأميركية الصينية، كما السعودية تود ان تكون مركزا للذكاء الاصطناعي، نظراً إلى التحديات التي بات العالم يواجهها في ظل دخول الذكاء الاصطناعي جميع المجالات.
تشهد السعودية فعاليات مؤتمر ليب 2025 التقني الدولي في نسخته الرابعة ليس فقط من أن تصبح السعودية وجه إقليمية بل من أجل أن تصبح وجهة عالمية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وهناك استثمارات نوعية بأكثر من 17 مليار دولار مخصصة للبنية التحتية والذكاء الاصطناعي والمبادرات الداعمة للشركات الناشئة، وسبق أن جذب المؤتمر في نسخته الثالثة في 2024 استثمارات تقدر بنحو 11.9 مليار دولار مقابل 9.5 مليار في نسخة 2023 ونحو 6.4 مليار دولار في نسخة 2022، وهو ما يؤكد الاقبال المتزايد من الشركات العالمية على الاستثمار في قطاع التكنولوجيا بالسعودية.
وفي نفس التوقيت تستضيف فرنسا القمة الدولية للذكاء الاصطناعي تود أن تلعب دورا رياديا على المستويين الأوروبي والدولي بحيث لا يكون التنافس في هذا القطاع الاستراتيجي محصورا بين الولايات المتحدة والصين، ما يعني أن فرنسا تود أن تكون الرافعة الأوروبية للذكاء الاصطناعي، والسعودية الرافعة الإقليمية والدولية للذكاء الاصطناعي، لأن المشاريع الجديدة تحتاج لتمويل كبير، وقد سبقت السعودية باريس والولايات المتحدة في امتلاك صندوق سيادي ضخم قادر على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في باريس والولايات المتحدة والصين.
السعودية وفرنسا يمتلكان جميع المقومات التي تؤهلهما أن يصبحا شركاء جددا للولايات المتحدة والصين، والسعودية تمتلك مميزات تفوق مميزات فرنسا حيث مراكز البيانات تستهلك كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية لتشغيلها إلى جانب أنها تنوي إقامة 20 مفاعل نووي من الجيل الجديد لإنتاج الكهرباء بجانب الكهرباء التقليدية التي تنتجها الطاقة المنتجة في السعودية، فيما فرنسا تنتج الطاقة الكهربائية بفضل اعتمادها على مفاعلاتها النووية ال56 التي تنتج نحو 70 في المائة من طاقتها الكهربائية المستهلكة في البلاد، وتخطط فرنسا لنشر عشرات المفاعلات صغيرة الحجم من الجيل الجديد في السنوات القليلة القادمة.
تود السعودية وفرنسا أن يكونا مجالين لاستقطاب المتخصصين في هذا المجال، ولم تعد كاليفورنيا الوجهة الوحيدة في العالم تعمل على دفع الذكاء الاصطناعي قدما، بدلا من اختزال المنافسة إلى معركة بين الولايات المتحدة والصين من أجل استقرار العالم، وحتى لا يكون الذكاء الاصطناعي مرتهنا للجانبين الأمريكي وبالتالي إبراز للسعودية ولفرنسا حضورهما إلى جانب القطبين.
لدى السعودية حراك تقني غير مسبوق في القرن الحادي والعشرين، وأنها تسعى لتكون مركزا عالميا لسد فجوات الذكاء الاصطناعي حيث بلغ معدل نمو الاقتصاد الرقمي في السعودية 13 في المائة سنويا منذ إطلاق رؤية المملكة، ارتفع حجم الاقتصاد الرقمي في السعودية إلى 132 مليار دولار، من أصل 260 مليار دولار في المنطقة أي تشكل نصف الاقتصاد الرقمي في المنطقة، ما يجعلها واحدة من الدول الرائدة في هذا المجال، وقد زاد عدد المتخصصين التقنيين من 150 ألفا إلى 381 ألفا، تعمل السعودية على تسريع وتيرة الابتكار التقني عبر استقطاب الشركات العالمية، وبناء منظومة متقدمة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والكمية.
تعتمد أكبر شركة في السعودية أرامكو على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين كفاءة عملياتها وتعزيز استدامتها البيئية، والتنبؤ بصحة المعدات وتقليل الأعطال، وتواصل استثماراتها في تقنيات الطاقة المستدامة مثل التقاط الكربون والطاقة المتجددة، وهناك 6 آلاف مطور للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية عالمية، بهدف تأهيل كوادر محلية قادرة على تطوير النماذج الذكية وتعزيز كفاءة العمليات.
هناك شركات أعلنت عن استثمارات في البنية التحتية كشركة غروك، دانا بريكس، علي بابا كلاود، سامبا نوفا، أي كي أر بالشراكة مع جي دي إتش، سيلز فورس، تينسينت كلاود، غوغل، ومن أبرز الاستثمارات الحديثة أطلقت شركة أوربت ستارت آبس بالتعاون مع شركة سنابل للاستثمار للاستثمار في 200 شركة ناشئة، وكذلك شركة فايننشال كما أعلنت شركة إكويينيكس إطلاق أكبر مركز بيانات للحوسبة السحابية، خصوصا وأن السعودية تمتلك منصة تداول ال10 على مستوى العالم بعدما كانت ال25 على مستوى العالم يمكن تستثمر تلك الشركات أرصدتها في السوق السعودي.
كما أعلن رئيس إتش بي من تأسيس منشأة تصنيع متطورة في الرياض ومركز التميز للذكاء الاصطناعي والبحث والتطوير في الظهران، بالإضافة إلى توسيع مبادرات تعليم الشباب السعودي المهارات الرقمية، وذلك في إطار التزام الشركة بأن تكون السعودية مركزا للتكنولوجيا والابتكار، وستتوسع الشركة إلى أجهزة الكومبيوتر المحمولة، والطابعات، مما يجعل السعودية رائدة في الإنتاج رائدة في الإنتاج الإقليمي يهدف إلى جعل السعودية مركزا للإنتاج والتصدير في المنطقة، بجانب تركيز مركز التميز على الذكاء الاصطناعي للمدن الذكية، والرعاية الصحية والطاقة، ما يجعلها تتجه إلى جذب مختصين دوليين في الذكاء الاصطناعي من حول العالم، مما يساهم في إنشاء نظام بيئي حيوي للذكاء الاصطناعي في السعودية لتعزيز قدرتها التنافسية العالمية في التكنولوجيا الناشئة، لتكون لاعبا نشطا في تطوير الاقتصاد الرقمي والقطاع التصنيعي وقدرات الذكاء الاصطناعي في السعودية، بل بدأت السعودية تحقق قفزات في الذكاء الاصطناعي فأعلنت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية كاكست عن نجاح بناء وتطوير بناء شبكة اتصالات الجيل الخامس باستخدام تقنية الوصول اللاسلكي المفتوح لتوفير اتصالات آمنة في المواقع النائية والصناعية الحساسة.
**
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً