أحمد بن عبدالرحمن السبيهين
أخي الحبيب أبا مقرن: ما كنتُ أظن بأني سأكتب عنك يوماً يا صديقي، ولم يخطر لي ذلك يوماً على البال.. هل تُراها غفلة، أم كانت حلاوة اللقاء بك تحجب حتميّة الفراق؟
ولكني أجد نفسي أكتب بضع كلمات لا تفيك حقّك، ولكنها مشاعر تأبى إلا أن تظهر في موقف وداعك الجلل.
فما أحسبك بالنسبة لي إلا من الخاصة الذين يشملهم قول حسان بن ثابت:
من شاء بعدُك فليمُتْ
فعليك كُنتُ أُحاذرُ
عندما يكون للكفاح عنوان، فإني أراه إحدى سجاياك.. فعندما سافرت في طلب العلم في «ريفر سايد» بكاليفورنيا، ولم يُحالفك الحظ بنيل الشهادة الجامعية؛ لم تضعف ولم تنكسر، بل عُدت وبدأت الدراسة في وطنك من جديد، وكافحت حتى تخرّجت بتوفيق من الله ثم بتصميمك الذي لم يعرف اليأس، ولسان حالك يقول كما قال «الحُطيئة»:
أزمعتُ يأساً مٌبيناً من نوالِكُمُ
ولن ترى طارداً للحُرّ كالياسِ
وعندما تعرفت عليك، كنت مكافحاً، بالعمل في إجازة الصيف في أحد فنادق الرياض.. كنا شباباً غضاً، ولم يكن عملنا الصيفي لأسباب مادية فقط، بل كان إضافة لممارسة اللغة الإنجليزية وتعلم المحاسبة ومهارات التعامل مع الناس.
وعندما يكون للصداقة الحقة اسم، فإني أراه في صفاتك..
فقد كنت صديقاً يقرأني دون حروف، ويفهمني دون حديث، ويُحبني دون مقابل، وقد كانت صداقتنا الطويلة ممتدة لا تغيب كالشمس، ولا تذوب كالجليد، ولا تنتهي إلا بالفراق الأبدي.
وعندما يكون للوفاء مثال، فأنت أهلٌ له.. فإن أجمل صفات الوفاء هي التي يعرف الأصدقاء أنهم مهما غابوا في مشاغل الدنيا وقلّ تواصلهم، إلا أن مكانهم دائم في القلب لا يتغير.
إن فراق الأحباب مؤلم، ولا ندرك حجم حضورهم في حياتنا، حتى نفقدهم فجأة، وعندها ندرك حجم الفراغ الذي يتركونه وراءهم، وتخوننا المشاعر والكلمات في وداعهم، والتعبير عن ألم فقدهم.. خصوصاً عندما يسكنون في القلوب، ويضيفون على الحياة البهجة والسرور، ويزرعون في النفس التفاؤل والأمل.
إننا في الحقيقة لا نبكيهم لأنهم رحلوا، بل نبكي أنفسنا لأنهم تركونا ولن نراهم بعد اليوم، وقد كانوا جزءاً من حياتنا، وبعضاً من سلوتنا وسعادتنا.
إن هناك الكثير من الأشخاص الذين يمرون في حياتنا مرور الكرام دون أن نشعر بهم طويلاً، أو نعير وجودهم أو غيابهم أدنى اهتمام، فهُم ليسوا أكثر من سحابة صيف عابرة، تحل وسرعان ما ترحل.
ولكن على الجانب الآخر، هناك أشخاص معدودون تشعر أنك مُكتفٍ بهم عن سواهم، يمثلون لك محور الحياة، ولن تجد الطمأنينة إلا بوجودهم، ولن تحاول مجرد الابتسام إلا في حضورهم، أو حين يخطرون ببالك.. وأنت كل ذلك!
وختاماً، فقد أبيت إلا أن تكون نعم الصديق حتى في وداعك، فقاسيت آلام المرض وحدك، ولم تشأ أن تطلع عليها أصدقاءك المقربين، ربما لرغبتك ألا تكون مصدر ألمٍ لهم، فلم يعلموا بما قاسيت إلا بعد رحيلك.. إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك لمحزونون.
اللهم ارحم عبدك عبدالكريم بن عبد المحسن البابطين، واجعل ما أصابه تكفيراً لذنوبه ورفعةً لدرجاته، واجعل مثواه فردوسك الأعلى.