عبدالله إبراهيم الكعيد
لو قيل: قد يأتي يوم تختفي فيه الأشياء التي اعتدتم على وجودها واعتمدتم عليها فما هو رد فعل الناس يا ترى؟ بالفعل أمر مرعب أن تستيقظ ذات صباح وتجد بأن السيارات على سبيل المثال قد اختفت تماماٍ. ليس هذا فحسب، بل هناك شرطة نظامية (سواء رضي بها الناس أو مقتوا وجودها) مهمتها ملاحقة من يعترض على اختفاء تلك الأشياء والقبض عليهم واقتيادهم في شاحنات عسكرية إلى المجهول، أو تضبط الشرطة إياها سيارة قد أخفاها أحدهم أو احتفظ بها وخالف ما يحدث.
تلك الشرطة لها مخبرون وأذرع سريّة؛ لهذا يخاف الناسُ منها ولا يجرؤون حتى على مجرّد التفكير في رفض حكاية الاختفاء. الأكثر رعبا أن يستمر اختفاء الأشياء، ومن ذلك اختفاء فاعليّة الرجل اليسرى مثلا أو اليمنى أو أحد أطراف بقيّة الجسد! الأمر مرعب بكل صدق، أليس كذلك؟
الذي يحدث في الواقع أننا كبشر ونحن نركض في هذه المفازة الكونية نؤمن عن يقين بأن الحياة قصيرة، قصيرة للغاية ومع هذا ننشغل بأمورِ قشورية ولم يخطر في أذهاننا بأننا قد نفقد ما نملك من أشياء هامة جداً نعتقد بأنها حقوق خالدة لنا، بل لم نفكّر أصلاً بقيمتها فما بالك بالتفكير في فقدها.
تعالوا نتصارح، من منّا لم يفقد عزيزاً لديه، أماً، أباً، ابناً، ابنة، إلى آخره؟ أو مالاّ، منصبا، شيئاً يُحبه وتآلف معه. البعض فقد وطناً، كرامةً، شرفاً، حقوقاً، حُريّةً، وغيرها. السؤال: من منّا قد جهّز مشاعره لهذا الفقد؟ أعرف وأنتم تعرفون من ينهار جرّاء فقد حيوان أليف أو طير أو مجوهرات أو وظيفة وخلافه. هل هؤلاء لم يخطر بالفعل في أذهانهم في يوم ما بأن هذه الكائنات أو الأشياء غير دائمة وقد تُفقد في أية لحظة؟
أخشى أن يقول قائل» لماذا هذه النظرة التشاؤمية؟» أو كما يهرب البعض من الواقع بقولهم «فال الله ولا فالك» يا جماعة الخير: الحكاية ليس لها علاقة بالفال أو الحظ ولا حتى بالصدفة، بل هو ناموس الحياة. خُلقت الأشياء لتفنى لا لتبقى. لا يبقى غير خالق تلك الأشياء وصانعها ومدبّر أقدارها حتى تقوم الساعة.
التداعي حول حقيقة فقد الأشياء في حكاية اليوم وردتْ إلى ذهني بعد قراءتي لرواية « شرطة الذاكرة» للروائية اليابانية يوكو أوغاوا. صحيح أن الرواية فانتازيه بامتياز رغم تداخل أحداثها مع أحداث حكاية موازية كتبتها بطلة الرواية التي تسرد تلك الأحداث، لكنها حرّضتني على كتابة هذا المقال.