د.شريف بن محمد الأتربي
وسط حالة من التوتر الشديد في المجتمع التعليمي نظراً لبدء الاختبارات النهائية للفصل الدراسي الثاني، واستعداد شاغلي الوظائف التعليمية لتطبيق معايير تقييم الأداء الجديدة والتي أطلقتها وكالة الموارد البشرية في وزارة التعليم؛ يأتي إعلان معالي وزير التعليم الأستاذ يوسف البنيان عن فوز المعلم منصور المنصور بجائزة «فاركي» العالمية كأفضل معلم على مستوى العالم والتي تبلغ قيمتها مليون دولار، وذلك من بين 5000 متسابق على مستوى العالم، وقد سلمه الجائزة الشيخ حمدان بن راشد نائب رئيس دبي ووزير الدفاع ضمن فعالية القمة العالمية للحكومات 2025 . هذه الجائزة جاءت نتيجة جهوده المميزة في مجال التعليم؛ فمن مبنى مدرسي متواضع بدأت رحلة التحدي الذاتي أولاً، والمجتمعي ثانيا، تحدي انطلق من داخل المنصور بأحداث الفارق في بيئته ومجتمعه. بدأ التحدي انطلاقه مع أبنائنا الذين يعانون صعوبات في التعلم، وأولياء أمورهم الذين لم يحصلوا على تعليم رسمي، فكانت البذرة التي أنبتت غرساً وطرحاً وثماراً غذت كافة مجتمعه، بل والعالم أجمع. لقد استطاع المنصور أن يصل إلى تركيبة السعادة التعليمية باهتمامه بالمجتمع المدرسي واهتمامه بالمجتمع بمفهومه العام معتمدا على تنمية حس المسؤولية التشاركية وأن هدف الجميع هو مصلحة الجميع وليس فرد بعينه أو مجموعة أفراد دون الآخرين.
بنى المنصور فلسفته الأولى على بناء النظرة الإيجابية نحو التعليم والبعد عن السلبية، وزيادة دافعية التعليم لدى الطلاب من خلال مشاركتهم هم بأنفسهم في تحديد أهدافهم وقيمهم وبناء علاقة تعاقدية للنجاح يقوم فيها المعلم بدوره ويقابله على الطرف الآخر الطالب مدعوما من أسرته والمجتمع، فكان النجاح للجميع والتفوق للجميع، ولولا هذه الجهود ما تحققت الجائزة، فكيف له أن يحققها إن لم تكن نتائجها ملموسة وظاهرة ولها نقاط أساس وخطوط قياس بين الماضي والحاضر في مستويات أداء الطلاب وشغفهم التعليمي.
إن فردًا واحداً يؤمن بالتعليم كرسالة وليس وظيفة استطاع أن يحدث حالة من الإيجابية والسعادة والرغبة في النجاح والتغير دون الحاجة إلى مستشارين ومنظرين جل هدفهم النقد الهدام والفلسفة الكاذبة، فهو أراد أن يفعل وهيأ لنفسه البيئة المناسبة للفعل، وفعل وأنتج نموذجا تعليميا يجب أن يحلل من كل جوانبه ويدرس كنموذج تعليمي ناجح نال شهادة تفوقه عالميا وليس فقط محليا، والخوف كل الخوف أن ينزع المنصور من بيئته التي نجح فيها لبيئة أخرى تحت بند نقل الخبرات فيفقد مجتمعه الناجح ويفقده مجتمعه أيضا، وإذا أردنا أن نكرر تجربته يجب أن يكون المعلمون الآخرون لديهم نفس الحماس والدافعية والرغبة والقدرة على إحداث الفارق، وليس فقط المهارات الظاهرة ولا الناعمة فهذه كلها تكتسب ولكن اقتناع المعلم أنه معلم ورسول لهؤلاء الضعفاء لانتشالهم من الحالة عدم المعرفة إلى الفهم والوعي وخرطهم في المجتمع هي أسمى رسالة يحملها فرد لمجتمعه.
لم يكتف المنصور بالتعليم داخل مدرسته فقط؛ ولكنه خرج بطلابه إلى العالمية من خلال ورش العمل الدولية والتبادلات الثقافية والتعاون الافتراضي، ليعزز قيم التسامح والمساواة والاستدامة. عكست مبادرته للتشجير الذكي، والتي تهدف إلى زراعة مليون شجرة، تفانيه في التثقيف البيئي، وتحت إشرافه، حصل طلابه على اعتراف عالمي، وحصدوا جوائز في مسابقات مرموقة مثل معرض «ريجينيرون» الدولي للعلوم والهندسة (ISEF) في الولايات المتحدة.
لم يكن العائق أمام المنصور تقنياً أو استراتيجيات حديثة، ولا اختبارات دولية ولا محلية، كان العائق هو اقتناع الجميع بالفكرة، اقتناعهم بالتعليم كوسيلة وليس غاية، اقتناعهم أن المنصور يؤدي رسالة جاء بها من المستقبل للماضي، وليس للحاضر ففي بدايته كان الماضي مسيطرا والمستقبل غامضا فأزاح بعمله غيوم الماضي لينبلج نور المستقبل فيستقل هو ومن معه من طلاب ومعلمين سفينة نوح التعليمية، ورغم تقاذفها بالأمواج والرياح العاتية إلا أن الربان وبحارته تشبثوا بسفينتهم فتجاوزوا صعابهم وفازوا بجائزتهم جائزة متعلمي العالم ومعلمهم العالمي.
وأخيراً: ماذا فعلت يا منصور في مجتمع التعليم؟ فقد أزحت الستار عن نماذج وطنية مشرفة، تعمل في صمت، كل غايتها الله - سبحانه وتعالى- والوطن وأبناؤه.