منصور بن صالح العُمري
في عالم الأعمال والخير، ثمة شخصيات نادرة تبرز لا يقتصر نجاحها على تحقيق الإنجازات الاقتصادية، بل تتجاوز ذلك إلى صنع الأثر الإيجابي العميق في المجتمع، وتجسيده واقعاً معاشاً وكأنهم يتنفسون ثمرات نفعه العام للآخرين. ومن بين هؤلاء الرجال الذين ضربوا أروع الأمثلة في العطاء، والتواضع، ورعاية المحتاجين، يبرز اسم عبدالله العثيم، رجل الأعمال السعودي الذي لم يكن مجرد مستثمر ناجح، بل كان قدوة في العمل الخيري، ورائداً من رواده الذين تركوا الحديث لأعمالهم، ورمزًا للتواضع الإنساني، ونموذجًا في التواصل الاجتماعي والوفاء لقيم التكافل والتراحم. (مَن كان في حاجةِ أخيهِ كان اللهُ في حاجتِه) (رواه مسلم).
رجل الأعمال الذي حمل همّ المجتمع
يُعرف عبدالله العثيم بأنه واحد من أبرز رجال الأعمال السعوديين، حيث أسس إمبراطورية تجارية ضخمة تمتد عبر مختلف القطاعات، من التجزئة إلى العقارات والاستثمار، ولكنه لم يجعل النجاح الاقتصادي غايته الوحيدة، بل عمل جاهدا على تسخير ثروته وجهوده لخدمة المجتمع، عبر دعم مشاريع خيرية وإنسانية وتنموية مستدامة تلامس حياة الفئات الأكثر احتياجًا.
قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 195).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ) (رواه الطبراني).
رعاية الأيتام..
التزام لا يعرف الحدود
من أسمى أعمال عبدالله العثيم التزامه العميق برعاية الأيتام، حيث كان عضوًا مؤسسًا وداعمًا رئيسيًا لجمعية رعاية الأيتام في بريدة، وهي واحدة من أبرز الجمعيات المتخصصة في كفالة الأيتام ورعايتهم وتعليمهم وتأهيلهم للمستقبل.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنا وكافل اليتيم في الجنةِ هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى (رواه البخاري).
إنجازاته في هذا المجال تضمنت:
- الدعم المالي والمساندة المعنوية، حيث لم يقتصر عطاؤه على المال، بل كان حاضرًا بروحه ووقته، يتابع أوضاع الأيتام ويشارك في تطويرهم.
- إطلاق برامج التأهيل المهني، ليضمن لهم التمكين الاقتصادي بدلاً من الاعتماد على المساعدات فقط.
- الدعوة إلى غرس ثقافة التكافل الاجتماعي، ومد يد التعاون الجزلة لكل من يقدم مبادرة فاعلة.
قال الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (الضحى: 9).
مبادرات خيرية وإنسانية مستدامة
1 - دعم الأسر المتعففة والفقراء.
لطالما كانت رعاية الأسر المحتاجة جزءًا لا يتجزأ من نهجه في العطاء، حيث لم يقتصر على التبرعات، بل حرص على إطلاق مشاريع تنموية تحقق الاكتفاء الذاتي بدلاً من الاعتماد على المساعدات المؤقتة.
قال الله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (الذاريات: 19).
2 - المساهمة في بناء المساجد والمراكز الخيرية.
ساهم العثيم في بناء وترميم العديد من المساجد والمراكز الإسلامية، تعزيزًا للدور الروحي والتعليمي، وتقديمًا لآخرته التي لا تغيب عن باله رغم انشغالاته الدنيوية.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن بنى للهِ مسجدًا بنى اللهُ لهُ بيتًا في الجنة) (رواه مسلم).
3 - دعم قطاع الصحة ورعاية المرضى.
من خلال تمويل المستشفيات، وتوفير الأجهزة الطبية، ودعم علاج المرضى المحتاجين، لعب دورًا رئيسيًا في تحسين جودة الحياة الصحية لكثير من الأفراد.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (داووا مرضاكم بالصدقة) (رواه البيهقي).
4 - دعم التعليم والابتكار.
إيمانًا منه بأن العلم هو مفتاح التغيير، أطلق العديد من المبادرات التعليمية والمنح الدراسية لدعم الطلاب من ذوي الدخل المحدود.
قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11).
5 - مشاريع تمكين الشباب وريادة الأعمال.
لم يكن داعمًا للعمل الخيري فقط، بل كان مؤمنًا بتمكين الشباب عبر برامج التدريب والتوظيف والريادة، مما ساهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الاقتصاد الوطني، متسقًا مع رؤية المملكة 2030. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: {لأن يحتطب أحدُكم حزمةً على ظهرِه خيرٌ لهُ مِن أن يسألَ أحدًا فيُعطيَهُ أو يمنعَهُ} (رواه البخاري).
التواضع الذي يسلب القلوب.. الإنسان قبل رجل الأعمال
رغم نجاحه الكبير، ظل عبدالله العثيم متواضعًا بشكل استثنائي، وكان يرى أن التواضع هو سر النجاح.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحدٌ للهِ إلا رفعه) (رواه مسلم).
وكان ديدنه مع الجميع:
- التفاعل المباشر مع موظفيه والاستماع لمشاكلهم.
- الاحتفاء بمن يقابله كأنه صاحب مكانة خاصة لديه، وهذا ما جعله محبوبًا بين الناس.
الإبداع المتجدد في العمل الخيري
يتميز العثيم بالابتكار في العمل الخيري، حيث لم يقتصر على الطرق التقليدية، بل أوجد حلولًا جديدة تحقق الاستدامة في العطاء.
(نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجلِ الصالحِ) (رواه أحمد).
من أبرز مبادراته:
- إطلاق منصات رقمية للتبرع، مما يسهل وصول الدعم للمستحقين بسرعة.
- إنشاء صناديق خيرية ذكية تعمل على تمويل المشاريع الإنسانية والتعليمية بطريقة مستدامة.
خاتمة: مسيرة عطاء لا تعرف التوقف ولا تعترف بالنهاية.
من كان يملك مثل هذا الطموح لا يتوقف عن العطاء، بل يرى الخير السبيل لاستدامة النجاح.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُهُ إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفعُ بهِ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو لهُ) (رواه مسلم).
عبدالله العثيم لم يكن مجرد رجل أعمال، بل كان قائدًا في ميدان الخير، ووالدًا صالحًا نجح في تربية أنجاله ليكونوا امتدادًا لسيرته العطرة.
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (المزمل: 20).
حفظ الله المحسن الكبير عبدالله بن صالح العثيم، وزاده من خيري الدنيا والآخرة، وبارك في عمره وماله وولده.