عايض بن خالد المطيري
في زمن تطغى فيه الحضارة على العادات والتقاليد، واندثرت الكثير من الممارسات الأصيلة التي كانت جزءًا لا يتجزأ من حياة الأجداد. إلا أن هناك أماكن لا تزال تصر على التمسك بهذا الإرث الأصيل، لتكون شاهدة على قيم الماضي ومبادئه الجميلة. ومن أبرز هذه التقاليد هي «الشبة» التي تجمع الأجيال المختلفة على نكهة القهوة السعودية، ورائحة الهيل والعويدي، وصوت دق النجر في مجالس تعبق بالأصالة والكرم.
في الحدود الشمالية وبالتحديد في محافظة العويقيلة، تتجسَّد (الشبة) في مجالس شهيرة مثل مجلس حروش بن شامان الشلاقي، ومجلس طخطيخ بن كايد الشمري، في ساعات الفجر الأولى ومع نسمات الصباح، تستقبلك رائحة القهوة وصوت النجر معلناً عن بدء لقاءات يومية تمزج بين حكمة الكبار وحيوية الشباب. وفي المساء يبرز مجلس فهد المجول العنزي يعانق فيه طيب العود عبق الهيل ورائحة العويدي في مشهد يفيض بالهيبة والتقاليد والكرم، هذه الشبات قائمة على مدار العام.
(الشبة) ليست مجرد مكان لقاء اجتماعي عابر؛ بل إنها إرث عريق يمثِّل رموز الكرم وأخلاقيات التواصل وأدب الضيافة وفق بروتوكولات وعادات الأجداد. جهزت هذه المجالس بعناية، حيث تضم «المعاميل» وهي أدوات تحضير القهوة السعودية التي تُعد العنصر الأساسي في هذه الطقوس. وللشبة أعراف وقوانين صارمة تعكس احترامًا متبادلاً بين الأجيال، حيث تُقام في مواعيد محددة، من بعد صلاة الفجر أو العصر، أو بين المغرب والعشاء، وتستمر لتكون جزءًا لا يتجزأ من حياة المجتمع اليومية.
في هذه المجالس تُبنى جسور التواصل بين الأجيال، حيث يتعلَّم الشباب من الكبار قواعد المروءة وأصول وآداب الضيافة وحكايات الكبار وقصص الأجداد التي تحمل في طياتها حكمًا وتجارب من مدارس الحياة تلهم الحاضر والمستقبل. إنها ليست مجالس لمجرد اللقاءات وتبادل الزيارات وتناول القهوة، بل إنها أكاديميات مفتوحة تُعلم القيم والمبادئ الراسخة التي تعكس روح الأصالة والرجولة.