م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - يختلط لدى الكثيرين المعنى المقصود من مصطلحات تتعلق بسمات شخصية محددة فيرون أنها سمة واحدة بمسميات مختلفة، ومن تلك السمات: التواضع، الإيثار، تدني الاستحقاق.. وحتى نتمكن من معرفة الفروقات بين تلك المصطلحات دعونا نضع المقابل لكل مصطلح، فإذا كان المقابل للتواضع هو الغرور، والمقابل للإيثار هو الأنانية، والمقابل للاستحقاق المتدني هو الاستحقاق العالي، من هنا تصبح الفروقات في المعنى بين الثلاثة مصطلحات ظاهرة بينة.
2 - الشعور المتدني بالاستحقاق يظهر في أصغر الأمور وأكبرها، قد يظهر في التنازل عن رغباتنا لصالح رغبات الآخرين كنوع من كرم النفس.. أو الجلوس في أدنى المجلس ونحن نستحق أن نجلس في صدره كنوع من الثقة بالنفس.. أو أن نقدم الآخرين على أنفسنا في الدخول أو الخروج أو الجلوس كنوع من التقدير.. أو أن نقبل أن يكون الاجتماع العملي أو الشخصي في أي مكان أو وقت يناسب الآخرين كنوع من المرونة.. أو أن نتنازل عن رأينا أمام رأي الآخر كنوع من الاحترام.. أو أن نرضى بأي شيء يَقَّدم لنا كنوع من سماحة النفس.. أو أن نقبل كلام الآخر مهما كان سيئاً كنوع من التسامح.. إلخ.
3 - كل التنازلات الصغيرة والكبيرة على حد سواء تدل على تدني الاستحقاق لدى الشخص إلا إذا كانت عن حب أو إذا كان مجبراً عليها ولا طاقة له بالصدام مع من تنازل لهم.. والمقصود هنا أن التنازل لا يعني التطاول على حقوق الآخرين، بمعنى لو كنت موظفاً صغيراً وطالبت أن يكون مكانك في صدر قاعة الاجتماع بحضور مديرك هنا يصبح الأمر ليس تنازلاً بل مطالبة بما هو ليس من حقك، وقد يعني حالة نفسية مرضية ممثلة في الشعور بالاستحقاق العالي وفروعها من أمراض نفسية كالشعور بالعظمة، أو الأنا العالية.. أيضاً التنازل أحياناً يعد كرماً نفسياً، لكن التنازل دائماً وعدم النظر إلى النفس أنها تستحق رغم أنها فعلاً تستحق فهذا مرض نفسي يجب علاجه.
4 - الشعور المتدني بالاستحقاق له تأثيرات سلبية على المديين القصير والبعيد.. فله تأثير على الشخصية حيث تسقط هيبتها بالتنازل وتفقد أهمية حضورها فيؤخذ ذلك الشخص على محمل الاستهانة برأيه أو رغباته، فهو سيقبل بأي شيء، وينْصَبّ الاهتمام على الآخرين ذوي الاستحقاق العالي.. بمعنى أن تنازلات متدني الاستحقاق الدائمة لا تؤخذ على أنها كرم نفسي بل استهانة، فإذا الشخص استهان بنفسه فكيف يتوقع من الآخرين عدم الاستهانة به!؟ أما على المدى البعيد فإن تراكم الاستهانات من الآخرين، والشعور المتأصل المزمن بعدم الاستحقاق يورث الاحتقار للنفس، وهذا يصيب الشخص بالحزن على نفسه، ويؤدي به إلى جلد الذات حتى تصاب بالاكتئاب.
5 - الذي لديه إحساس متدنٍ بالاستحقاق لا يرى لنفسه حقاً، ويتجنب الصدام مع الآخرين، ويفضل أن يكون وسط الناس لا في مقدمتهم أو خلفهم، ولا يثيره أن يرى أن الآخرين - حتى لو كانوا أقل منه - يتم تقديمهم أو تكريمهم أو أخذ رأيهم وهو ليس له اعتبار، بل إنه حتى يدافع عن نفسه في تنازله عما يستحق يقول: إن هؤلاء يحبون الظهور، وهذا ما يؤكد أنه يحب الاختباء.
6 - الذي لديه إحساس متدنٍ بالاستحقاق لا يريد أن يُعَامَل بأفضلية عن غيره خشية الانتقاد أو لفت النظر رغم أنه يحب ذلك.. وقد يكون هذا ناتجاً عن تربية قَمْعية في طفولته، أو أنه كان محروماً من الحب والرعاية والاهتمام فعاش يرى أنها من حق غيره وليس له.. أو أنه فاقد للثقة بنفسه فكفاءته أو شخصيته أو حتى شكله لا تؤهله لأي استحقاق، وكل الذي يريده هو القبول بلا تبعات، خوفاً من أن يفقد القبول لو مُنح استحقاقاً فوق ما يستحقه، لأنه يشعر في أعماق نفسه بالدونية.
7 - الذي لديه إحساس متدنٍ بالاستحقاق يظهر أمام الجميع أنه متواضع، ولا يهتم بمظهره وقيافته، ومقل في حضور المناسبات العامة، ومن حسناته أنه محافظ قليل الكلام والمخاطرة والمجازفة في أي شيء، ويتفانى في تنفيذ ما يُطْلب منه وكأنه واجب ملزم، وليس له سلوكيات طائشة تتصادم مع أعراف المجتمع، وهو حذر جداً في إبداء رغباته الشخصية لأنه يخشى من التبعات المترتبة، وهو لن يتهور بتقديم نصيحة أو مشورة قد تورط من استشاره.
8 - الشعور المتدني بالاستحقاق رغم كل محاسنه ورغم كل مساوئ الشعور العالي بالاستحقاق إلا أن الفضيلة وسط بين رذيلتين، فكلاهما مرض يجب الانتباه له وعلاجه.