بدر الروقي
طريقُ وطريقةُ الهجرة النبويَّة على صاحبها الصلاة والسلام حدَثٌ اهتم به، وتناوله أدباء وشعراء العصور الإسلامية المتلاحقة؛ حيث رسموا لتفاصيله ووقائعه خريطةً شعريَّةً وأدبية تعبِّرُ عن مدى امتداد جغرافية عواطفهم الإيمانية، وتجسِّد فصول قراءتهم التاريخية، وثقافتهم الدينية.
كما أنَّ لهذه الإسهامات والمبادرات الأدبية التي دونتها موهبتهم عن تلك الرحلة المباركة دوراً بارزاً، وأثراً عظيماً في كتابة التاريخ، واستشهادات المؤرخين، وتحقيق المهتمين بعد ذلك.
وبالرغم من الامتداد الجغرافي والتباعد الزمني لمسار طريق الهجرة النبوية بين مكة والمدينة، وما صاحبها من صعوباتٍ وتحديات، ومواقف وأحداث، وما مرَّ بها من مكائد، وما رُصد لها من مكافآت وحوافز، وما سجلته من معجزاتٍ وتضحيات..
إلاَّ أنَّ شعراء وأدباء الإسلام استطاعوا تصويرَ لوحةٍ أدبية تختصِّرُ وتُقرِّبُ تلك المسافات في أذهان من يقرأ تلك الحروف البديعة التي تركوها لنا عبر صفحات التاريخ.
كتلك المقطوعة الشعرية لشاعر الإسلام والرسول - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت عن هجرة رسول الله قائلاً:
لقد خابَ قومٌ غاب عنهم نبيهمُ
وقد سُرَّ من يسري إليهمْ ويغتدي
ترحَّلَ عن قومٍ فضلَّتْ عقُولُهُمُ
وحلَّ على قومٍ بنورٍ مُجَـدَّدِ
ويقول في رائعته عن الهجرة النبوية الشاعر محمود سامي البارودي واصفا لحظات الإيذان بالهجرة:
وجاءه الوحي إيذاناً بهجرته
فيمَّم الغار بالصدِّيق في الغسم
فما استقرّ به حتّى تبوّأه
من الحمائم زوج بارع الرّنم
بنى به عشّه واحتلّه سكناً
يأوي إليه غداة الرّيح والرّهم
إلفان ما جمع المقدار بينهما
إلّا لسرٍّ بصدر الغار مكتتم
ويصور الشاعر أنس الدغيم هذه المعاني البديعة حين يقول:
كان الطريقُ مُطوَّقا بحمامةٍ
لم تبنِ عُشّا بل بنَتْ محرابا
لا حُزنَ فيهِ معيّةُ المولى هنا
بدمِ الرّضا تتحسّسُ الأعصابا
وفي بادرة تنم عن مشاعر إيمانية، وقيمة دينية واهتمام متدفق ومتواصل توليه مملكتنا -أعزَّها الله- للمدينتين المقدستين [مكة والمدينة] وتعززه من خلال رؤيتها 2030، فقد باركت إطلاق مشروع (درب الهجرة النبوية) وتجربة (على خُطاه) هذه المبادرة لا تُحاكى «شعراً» بل تحاكي الدرب الذي سلكه النبي - صلى الله عليه وسلم- كتجربة حيَّة مباشرة؛ تفتح من خلالها آفاق تاريخية لزوار الحرمين الشريفين؛ في تتبع خطى النبي - صلى الله عليه وسلم - خلال هجرته المباركة، وما يمر بها من معالم ومواقع ومواضع مخصصة لسرد قصص وتقديم أرقام ومعلومات من الهجرة المباركة. هذه المبادرة هي امتداد لما قدمته وتقدمه بلاد الحرمين الشريفين من تفعيل وتشغيل المعارض التاريخية، والمتاحف التراثية والمواقع الأثرية وهي بالطبع تمثل رسالة المملكة في الاهتمام بالتاريخ الإسلامي العريق.