عبدالمحسن بن علي المطلق
شيئاً فشيئاً تتسّرّب أيام «شعبان».. من بين أصابعنا، ولا عجب، فأهلنا بنجد يصفون هذا الشهر بـ(القصير..) - نقيض الطويل - نعم، ففي حديث يؤكّـد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (ذلك شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)، وذكرت هذا أم المؤمنين عائشة - رضيَ الله عنها - أنها لم ترَ النبي (صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ)، وشرح ابنُ رجبٍ - رحمه الله - «لمـا كان شعبانُ كالمقدّمةِ لرمضانَ؛ شُرعَ فيه ما يُشرعُ في رمضانَ مِنَ الصّيامِ وقراءةِ القرآنِ؛ لِيَحصُلَ التّأهُّبُ لتلقّي رمضان وتَرْتاضَ النُّفوسُ بذلك على طاعةِ الرّحمنِ».
والسلف الصالح - رحمهم الله - سمّوه (شهر القُرّاء)، فعن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: «كان المسلمون إذا دخل شعبان، انكبوا على المصاحف فقرؤها، وأخرجوا زكاة أموالهم؛ تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان».
وما تصدّر نستشعره، فما بين هلاله وإطلالة رمضان إلا لماما.. هذا معنوياً، أما ماديّاً فكم ممن تلهّف لشيء، وهو متعجّـل خُطاه أن متى يحلّ، رغم أنها في الواقع لا تحيد أيامه عن الأشهر أو تندّ عن المعتاد.. من أن تنقص أحايين عن الثلاثين يوماً لا أكثر أجل، هي حالة من السبق وتحديد في كنن المشاعر لا غير، اللاتي خلفها ما خلفها من دوافع الأشواق للشهر الذي يليه، فـمن الآن نردد.. أهلاً بك يا (رمضان) يا الجميل زمناً، الجليل وقعاً..
نعم، ها أنت قارب أن يزف زمانك، فتعود، كذا عهدناك.. لا تخلف معنا بفضل ربنا ميعادك، لـنعود آن تُعيد لنا كل ما علقناه بك.. الصبا والذكريات والأحبة، ممن وفوا لنا حين غابوا، ولا غرو، وقد ألفنا بمحضرك منذ وعينا هذه الحياة ذكريات هنّ على صفيح أفئدتنا باديات.. تُـفيق بنا من لحظة ترائـي هلالك عدا الروحانيات، والتراويح، القيام، فتلاوة للقرآن، الوصل الـ..، فماذا نورد وماذا نقتصد..
بخاصة جمّ من فواضل عبادات أثقلت من قبيل حلولك أوقاتنا أن نأتي بها لتأتي فتوطئ تراخي هممنا لأدائها، حين نجدنا وتلك الهمم في رواقك إليها نتطلّع.
نعم.. تعود وهي (سنّة الله) بدورة الحياة، ليعود - معك - موسم هو من عطايا ربنا التي لا تُحصى.. وهي علينا تترا فكأنها (وهي تعود) لتحيي أمانيّ بذواتنا، نتطلّع أن ترتقي بها، وأن عسى بك نفق من عمه دنيا أخذتنا، فنتذكرها بك، مستحضرين بظلالك أخرى هي الأُخرى لعمرنا الأحرى باهتمامنا من زخم ما أشغلنا بلا طائلٍ مكافئ لما فرّطنا، لكن هي دنيا لاحقتنا كأننا وأعيننا عنها لا تعشُو.. ما درينا إذ غمارنا بها ويا للأسف لا ينفكّ من جدول همومنا.. مهما حاولنا، لتأتي يا شهر البركات، فتنـتشلنا.. حين مدّنا بطاقاتٍ هنّ أولى البركات، وقد جاء قيله سبحانه في تنزيله (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، وأدنى من أغصانك قطفاً - من بين تلكم - «بركة» ما يعيدنا فيُـيدنا عما أترفنا فيه، وأعني ذاك العسف الذي نقضيه وطراً طلبه بهذه (القصيرة) وقلّما نحصّـل من المطالب تعود لـنزيد من شحناتنا الروحانية، ومن قبل رصيدنا الإيماني، وهذه جوانب.. فيض من غيض خيراتك، وهكذا أنت فأنت تقدْم لتُـقدّم لمن شُغفوا بعد غياب (أحد عشر شهراً) جلائل لا ترمد عن معارفها عين عاقل فـ أهلاً يا محبوب آيب لأحبابه، والاجتماع بأصحابه، نعم والله، فنحن يا رمضان - وربي - إليك كم نحنّ إذ حسبك أنك أكثر من يُخفف عنّا زخم ديدنـنا بها، ويرقق من ديـننا إزائها، والذي إلا ومع الوقت يأخذ منّـا حظّـه!