د. سامي بن عبدالله الدبيخي
أوضحنا في مقال سابق لنا بعنوان «ضبط بوصلة التنمية في المدن والمناطق: العلاقة التكاملية المتوازنة ما بين تخطيط المدن والنقل» أهمية العلاقة المتوازنة والمتكاملة بين التخطيط الحضري ومنظومة النقل في المدينة، وأن وحدة الإشراف المؤسسي والحوكمة الرشيدة هي المفتاح والضمان لضبط هذه التوازنات وتوجيه هذه العلاقات التكاملية لخدمة المدينة وسكانها. وهذا ما يستدعيه المستوى الأول الذي يقتضي تنسيقاً عالياً وتوازناً كبيراً ما بين التخطيط الحضري والنقل لتُراعى فيه بشكل متكامل ومتوازن يجمع ما بين مراعاة قضايا البيئة وتطوير المجتمع وتيسير الإسكان ونجاعة الاقتصاد وكفاءة النقل وجودة العمران. وهذا كله لا يتأتى إلا بوجود جهة إشرافية واحدة تجمع قضايا التخطيط والنقل تحت مظلة موحدة وضمن منظومة واحدة لتحقيق جودة الحياة وحيوية المدينة وأنسنتها، تماماً كما وضحه البروفيسور فوكان فوتشيكVukan Vuchic في تحليله للمستويات الأربعة لمنظومات النقل الحضري ومخططات المدن وأن المستوى الأول المشار إليه أعلاه هو أفضلها أداء وأحسنها كفاءة. وهذا المستوى من التكامل والتوازن بين مخططات المدن ومنظومة النقل هو بالضبط ما تعمل عليه الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة التي جمعت تحت مظلتها وضمن إشرافها منظومة التخطيط الحضري ومنظومة النقل حيث أُسندت لها مهمة الطرق والنقل العام بمختلف الوسائط سواء كان ذلك عبر الحافلات أو سيارات «أجرة مكة» أو المترو مستقبلاً كما أشرنا لذلك في مقال سابق بعنوان «مترو مكة.. استثمار يتوافق مع التوجه الإستراتيجي لتخطيط مكة». وينبغي لهذه الوسائط الثلاثة أن تعمل بشكل مترابط ومتكامل حتى ترفع من كفاءة أدائها ضمن منظومة موحدة لتيسير عملية الوصول لمختلف المستخدمين سواء كانوا حجاجاً أو معتمرين أو سكاناً أو مجرد زوار سائحين. فمنظومة النقل العام ذات مستويات ثلاثة تكمل وتعضد بعضها بعضاً. وفي هذا الإطار تعمل الهيئة جاهدة لتهيئة الأرضية لتفعيل هذه المنظومة من خلال تذليل كل الصعوبات والتحديات بدءاً بسرعة إنجاز البنية التحتية واستكمال تنفيذ الأجزاء المتبقية للطرق الدائرية خصوصاً ما يتعلق بالدائري الثاني والثالث. كما تعمل الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة على تطوير نظام محاور ومحطات الحرم بصورة جزئية باعتباره العمود الفقري للوصول للحرم لهذا تبذل جهوداً حثيثة بالشراكة مع القطاع الخاص لتطويرساراته وتحسين محطاته كمحطة باب الملك عبدالعزيز التي تفرغ 18 ألف راكب في الساعة مع عزل حركة المشاة عن الحافلات. وإدراكاً منها بأن كفاءة هذا النظام سوف لن يكتمل أداؤها ما لم يتم دعمها وتعضيدها بشبكة مترابطة للنقل العام بالحافلات على مستوى المدينة، تقوم الهيئة بتطوير وتشغيل منظومة حافلات مكة بأسطولها (400 حافلة) ومواقفها (450) ومساراتها (12) وطول شبكتها (559 كم) لتعمل على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع مع ضمان توفير الراحة والأمان لراكبيها، مع ربط محطة قطار الحرمين بالمسجد الحرام وزيادة مستوى الانتقالية دون التوقف بمحطات وسطية.
وتكتمل الصورة بإطلاقها مؤخراً مشروع «أجرة مكة» بإجمالي عدد 1800 مركبة بنهاية السنة الجارية كلها ذكية ومتطورة، تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع وتشتغل بنظامي «الهايبرد والكهرباء» حفاظاً على سلامة البيئة الحضرية وتعزيزاً لدور مكة كمدينة ذكية ومستدامة إضافة لتسهيل وإثراء تجربة الحجاج والمعتمرين والمقيمين على السواء. والجهود مستمرة لتحسين اتصالية مشعر منى بالمسجد الحرام ومراجعة دراسة المترو بخطوطه الأربعة بطول (180) كم.
ما دامت كل هذه المنظومة بدفتيها - التخطيط والنقل - تحت إدارة واحدة هي الهيئة الملكية فإنها ستُلغي بهذا كل التقاطعات السابقة بين العديد من الجهات ذات الصلاحيات المختلفة والقدرات المتباينة والأهداف المتعارضة وحتى المتضاربة أحيانا والتي كثيراً ما كانت عامل إعاقة للعمل المنسق والمتكامل مما كان له تأثيراً سلبياً على كفاءة الأداء.