فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
عام 2002م تشرفت بأن أكون من ضمن مرافقي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله- في رحلته إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بمزرعته في كروفورد خارج مدينة «هيوستن». وقد كانت رحلة تاريخية حملت معاني كبيرة وعميقة، مختصرها (مجزرة جنين). ما آثار مشاعري هو ما نعيشه ونشاهده منذ شهر نوفمبر من قتل وتدمير وانتهاك للحد الأدنى لأبسط حقوق الإنسان الأساسية.
وحين كان الملك عبد الله بن عبدالعزيز - تغمده المولى بواسع رحمته وغفرانه- يتابع أخباراً من الضفة الغربية، وشاهد مشهد امرأة مسنة ألقى بها جندي إسرائيلي على الأرض، ووضع قدمه على يدها أو كتفها، وبدا وكأنه يضع قدمه على رقبتها، عندها طلب الملك حفظ نسخة من هذا الفيديو والصور لعرضها على المسؤولين الأمريكيين عند زيارته للرئيس بوش في مزرعته.
هذا ما ذكره في مقابلة معه صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز سفير خادم الحرمين الشريفين آنذاك في أمريكا، وهذا ما سمعناه وعرفناه من خادم الحرمين الشريفين أثناء رحلتنا ونحن متجهون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عندما طلب أشرطة تسجيل اجتياح (جنين) من قناة الـ «إم بي سي» ليعرضها على الرئيس الأمريكي. وكان يقول لنا -رحمه الله-: «سأعرض الشريط على الرئيس (بوش) ليشهد حقيقة الإجرام وعدم الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون لأني متأكد من أن مثل هذه المشاهد الوحشية لا تعرض في إعلامهم المتحيز الذي يحجب شواهد تدلل على الانتهاك الفاضح لحقوق الإنسان من جيش الاحتلال الصهيوني. (مشهد) نقل على قناة تلفزيونية وليست (صرخة) استنجاد بيا (عبدالله) حرکت قائد أمة ليتفاعل كما تفاعل أسلافه، وكما تعودنا دائما في قيادتنا الرشيدة منذ عهد الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي جمع القمة العربية تحت مسمى (قمة القدس)،* وما أعلنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في خطابه أمام مجلس الشورى في دورته التاسعة. *وأخيراً القمة العربية والإسلامية التي عقدت بالرياض التي تؤكد تحمل قيادتنا مسؤوليتها وإيمانها الصادق تجاه قضيتنا الفلسطينية العادلة والمشروعة بأحقية الشعب الفلسطيني بالعيش بسلام في وطنهم.
أما ما نراه اليوم وما يراه العالم من قتل ودمار و استباحة للأرواح والأعراض فاق الوحشية الصهيونية وأخذ أبعادا تفوق همجية ليس لها وصف في قاموس أعرفه وللأسف لم تنجح أي مساعٍ إلى الآن لوقف هذه المجزرة الفظيعة على جميع المستويات.
ما دفعني اليوم للتذكير بما نراه في غزة وجنين وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة من ظلم وتدمير وتجويع وتهجير وغيرها من الانتهاكات الجسيمة التي عجز المجتمع الدولي عن التصدي لها، وهي ليست اليوم انتهاك جندي لامرأة، بل هي انتهاكات دولة لأمة.
يدفعني كل ذلك كإنسان و كمسلم مؤمن بقضيتنا ومؤمن بقضاء الله وقدره، أن أقول:
«إذا لم نستطع إنقاذ الأرواح فلننقذ العقول»
ولنساهم في تعزيز مقاومة الشعب الفلسطيني بالعلم والمعرفة.
هذا ما ساقني متذكراً مواقف مملكتنا العربية السعودية على مر العصور، ومستشهداً بحدث عايشته في خدمة قيادتنا أعزها المولى ليدفعني بأمل مواطن تحمل مسؤولياته في حقل رسالة التعليم السامية أن أستعرض ما أؤمن به وبما شاركني به الأخ وليد تحبسم رئيس هيئة المديرين ومؤسس «المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا» قائلاً:
المملكة العربية السعودية كانت وما زالت من الدول السباقة باستخدام التكنولوجيا لتطوير التعليم. فمنذ عام 2012 تم إطلاق منظومة متكاملة (نظام نور NOOR) تعنى بالتحول الرقمي المرتبط بالتعليم على مستوى المملكة. هذا التحول كان من خلال شراكة استراتيجية سعودية أردنية تمخض عنها تأسيس SAUDI ITG التي تعمل في أكثر من 40 بلد من خلال أفرعها الخمسة في الرياض، عمان، سان فرانسيسكو، القاهرة وبتسوانا، * وتشرفت برئاستها وقمت بالتعاون مع مجموعة من رواد الأعمال والمستثمرين في قطاع العمل الخيري (Philanthropist) بتأسيس منظمة غير ربحية تعنى بحل مشكلة التعليم للاجئين بالعالم والذي يزيد عددهم عن 70 مليون لاجئ حول العالم معظمهم من العرب والمسلمين.
المدرسة العالمية للاجئين (World Refugees School) هي مدرسة عالمية تعنى بالتعليم الرسمي (Formal Education) المبني على مناهج دراسية عالمية ووطنية لكافة الفئات الطلابية المستهدفة، وذلك باستخدام التقنيات الرقمية في تعويض نقص الموارد التعليمية المتوفرة للطلبة اللاجئين والمهجرين، أخذين بعين الاعتبار الاختلاف في الموارد البشرية والمادية المتاحة لكل مجموعة منهم. وحقيقة تعرضهم للانتقال من دولة لأخرى وبالتالي من نظام دراسي لآخر بشكل مستمر، أضف إلى ذلك -وبالتعاون مع بعض أعرق المنظمات الدولية في اعتماد البرامج الدراسية- توفير اعتماد دولي لبرامجهم الدراسية وشهاداتهم بما يضمن استمرارية تعليمهم والتحاقهم بمؤسسات التعليم العليا.
نفذت WRS مشاريع رائدة في هذا المجال مستخدمة النموذج أعلاه بكافة عناصره وذلك في دول مختلفة نذكر منها مشروع محافظة إدلب السورية، الذي حقق نجاحا منقطع النظير حيث تم تخريج طلبة هذه المدارس واعتماد البرنامج وشهاداته من قبل منظمة City الجزيرة Guilds البريطانية.
وقد تم منح WRS الجائزة الأولى لأكثر المنظمات الإنسانية قدرة على التأثير المجتمعي على مستوى العالم من قبل منظمة .ORG الدولية.
وهنا نتطلع بإذن الله وتوفيقه إلى توظيف خبرات وتجارب المدرسة العالمية للاجئين (WRS) لتوصيل رسالة الإنسانية الأولى لأبنائنا وبناتنا الذين حرمتهم ويلات الحرب والدمار من نعمة التعليم والتعلم من خلال دعم المؤمنين بالتكافل الإنساني، والساعين للخير لإنشاء مبادرة خاصة بالتعاون مع (WRS) تساهم بنشر رسالة «اقرأ» حول العالم ابتداء من غزة وانتهاء بتأسيس وقف خيري يعنى بتعليم مليون من أبنائنا وبناتنا المحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية من اللاجئين والنازحين حول العالم كل عام.