عبدالله صالح المحمود
حين تتوشّح المملكة العربية السعودية بعبق الماضي المجيد، يُولد يوم التأسيس في 22 فبراير كتاريخ لا يُقرأ فحسب، بل يُعاش. إنه اليوم الذي لا يقيسه الزمن بعدد السنين، بل بعظمة البدايات وقوة الاستمرارية.
لم يكن عام 1727 مجرد سنة طُويت في دفاتر التاريخ، بل كان لحظة فارقة أضاءت سماء الجزيرة العربية بميلاد كيان راسخ. حين اتخذ الإمام محمد بن سعود قراره بتأسيس الدولة السعودية الأولى، لم يكن يضع حجر الأساس لمجرد إمارة، بل كان يُرسّخ فكرة، ويعيد صياغة المستقبل، ويرسم على صفحة الزمن أولى ملامح الوحدة والاستقرار.
لم يكن تأسيس الدرعية مجرد اختيار جغرافي، بل كان قرارًا استراتيجيًا، حيث احتضنت الأرض رجالًا صاغوا هوية، وشكّلت بيوتها نواة وطن سيمتد لقرون. وطنٌ لم يأتِ وليد اللحظة، بل خرج من عمق التاريخ ليبقى.
في يوم التأسيس، لا نحتفي بماضٍ بعيد، بل نحتفي بأنفسنا، بأجداد حملوا راية الطموح، وبأبناء يستكملون مسيرة الحلم. إنه يوم يعيد إلينا فهم هويتنا، لا كحكاية تُروى، بل كعصبٍ حيّ يسري في دمائنا.
هنا، لا تكون الأرض مجرد رقعة جغرافية، بل ذاكرة تنبض بالحكايات. هنا، لم تكن البيوت مجرد طينٍ وحجر، بل كانت مآذنَ ارتفعت بقيم العدل والاستقرار، وساحاتٍ شهدت أولى خطوات التقدّم، وميادينَ صنعت قادة حملوا شعلة النهضة عبر الأزمان.
لم يكن التأسيس نهاية الرحلة، بل كان نقطة انطلاق. واليوم، بعد ما يقارب ثلاثة قرون، لا تزال المملكة تعيد تعريف ذاتها، من قلب الدرعية إلى آفاق المستقبل، ومن جدران القصور الطينية إلى منصات الذكاء الاصطناعي وفضاء الابتكار.
نحن أحفاد الذين حلموا بدولة، وأبناء الذين حافظوا عليها، وروّاد الذين يصنعون غدها. في يوم التأسيس، لا ننظر إلى الخلف لنكتفي بالفخر، بل نلتفت إلى الأمام لنواصل البناء، مدركين أن أعظم الأمم ليست تلك التي تقف عند إنجازاتها، بل التي تحوّل تاريخها إلى منصةٍ للمستقبل.
ليس يومًا عابرًا في الروزنامة، وليس مجرد إجازة رسمية، بل هو فصلٌ جديد في كتاب الوطن. إنه اليوم الذي تتحدث فيه الجذور، ويتردد صدى المؤسسين في أروقة الحاضر، ليذكّرنا بأن السعودية ليست حكاية بدأت ثم انتهت، بل قصة تُكتب كل يوم، وها نحن شهودٌ وصنّاعٌ لها.
في يوم التأسيس، نرفع رؤوسنا عاليًا، لا لنرى السماء فحسب، بل لنرى انعكاس مجدنا فيها.