د. تنيضب الفايدي
ولما كانت المناسبات الوطنية تقوي الانتماء بالهوية الوطنية، وتعزز الثقة بالنفس تجاه الوطن، و تربط الأجيال الحالية بجذور ماضي آبائهم وأجدادهم ومن ثمّ بقادتهم ارتباطاً وثيقاً؛ فقد قررت الحكومة احتفاء عدد من المناسبات الوطنية، ومنها مناسبة (يوم بدينا) يوم التأسيس في 22 فبراير من كلّ عام، ففي هذا اليوم عام 1727م/1139هـ أي: قبل ثلاثة قرون وضع الإمام محمد بن سعود رحمه الله مؤسس الدولة السعودية الأولى اللبنة الأولى لبناء صرح وطننا الشامخ، وأرسى الأمن والاستقرار في المنطقة بعد أن كانت تعجّ بالاضطرابات والصراعات والانقسامات الداخلية وسوء الأمن والتفرق والتشتت، فهذه المناسبة الوطنية تذكرنا عمق الوطن التاريخي والحضاري وجذوره العريقة وتراثه الأصيل فيفخرون بها، كما تبين لنا التضحيات العظيمة التي قدّمها أجدادنا لقيام هذا الوطن الشامخ العزيز ولازدهاره وشموخه فيستلهمون منهم روح العزيمة والإصرار، كما تعزز تلك المناسبة الألفة والمحبة فيما بينهم وتساهم في ترسيخ مفاهيم الولاء والانتماء فيستعدّ ليفدي كلّ ما يملك من الغالي والنفيس لأجل هذا الوطن الحبيب:
روحي وما ملكت يداي فداهُ
وطني الحبيب وهل أحب سواهُ
منذ الطفولة قد عشقت ربوعهُ
إني أحبّ سهوله ورباهُ
كما يتميز هذا اليوم بإبراز القيم والمبادئ التي قام عليها هذا التأسيس والتي تتمثل في الاستقرار والوحدة والأمن والازدهار، فهذا اليوم ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو مناسبة لإحياء الإرث الثقافي والتاريخي الذي بناه أجدادنا، والتأكيد منا على التزامنا بمواصلة مسيرة النمو والازدهار اقتصادياً وثقافياً وعلمياً بكلّ تفانٍ وإخلاص إلى أن يصبح من أقوى الدول في العالم بإذن الله.
ومن أبرز أهداف هذه المناسبة الوطنية يوم التأسيس: الاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية و الارتباط الوثيق بين المواطنين وقادتهم، حيث ارتبط التأسيس بالإمام محمد بن سعود رحمه الله كونه مؤسس الدولة السعودية الأولى وواضع اللبنة الأولى لهذا الكيان الذي بدأ قبل أكثر من ثلاثة قرون 1727م، والفخر بما أرسته الدولة السعودية من الوحدة والاستقرار والأمن، مع صمودها والدفاع عنها أمام الأعداء، وكذا الاعتزاز بالوحدة الوطنية للمملكة العربية السعودية التي أرساها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود و بإنجازات الملوك أبناء الملك عبدالعزيز في تعزيز البناء والوحدة، ورفع الوعي بأهمية توحيد المملكة.
ولنا أن نقرأ قراءة دقيقة ومتعمقة لما تضمنه الأمر الملكي الكريم في هذه المناسبة ففيه ذكر لمدى الصعاب والتحديات التي واجهها أجدادنا في إقامة هذا الوطن العزيز، حيث جاء فيه: «واعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، وبداية تأسيسه في منتصف عام 1139هـ (1727م) للدولة السعودية الأولى التي استمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أرسته من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار، وصمودها أمام محاولات القضاء عليها، إذ لم يمضِ سوى سبع سنوات على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ (1891م)، وبعد انتهائها بعشر سنوات، قيض الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها. وبما أن منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير من عام 1727م هو بدء عهد الإمام محمد بن سعود وتأسيسه للدولة السعودية الأولى، أمرنا بما هو آت: يكون يوم (22 فبراير) من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس)، ويصبح إجازة رسمية».
فيظهر من هذا أن قيام الدولة السعودية ليس بوقت قريب، بل مرّت بثلاث مراحل، المرحلة الأولى: وهي الدولة السعودية الأولى تأسست على يد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، واتخذ الدرعية عاصمة لهذه الدولة، وتقع الدرعية في وسط الجزيرة العربية، وهي منطقة جذب للاستقرار البشري منذ القدم، ومحطة مهمة وسط الجزيرة لقوافل الحج والتجارة في مختلف الحقب التاريخية، وقد أنجز المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود رحمه الله إنجازات عظيمة، من أهمها: الاستقلال السياسي وعدم التبعية لأي نفوذ، تنظيم موارد الدولة، دعوة البلدات للانضمام إلى الدولة السعودية، الاهتمام بالأمور الداخلية، توحيد الدرعية تحت حكمه، والإسهام في نشر الإسلام، وتقوية مجتمع الدرعية، مناصرة الدعوة الإصلاحية وحمايتها، بناء سور الدرعية للتصدي للهجمات الخارجية، الحرص على الاستقرار الإقليمي، توحيد معظم منطقة نجد. وتعاقب على إمارة الدرعية منذ تأسيسها عدد من الأمراء كان لهم أثر بارز في تاريخ الدرعية، وصلت الدولة السعودية الأولى إلى ذروة اتّساعها في حكم الإمام الثالث للدولة، المعروف بـ «سعود الكبير»، وهو الإمام سعود بن عبدالعزيز آل سعود، الذي تولى حكمها بعد وفاة والده عام 1218هـ/ 1803م، وتمكّن منذ توليه مقاليد الحكم من توحيد كامل منطقة الحجاز والحرمين الشريفين وضمهما لحكمه، وكان عهده نقطة تحوّل في تاريخ الحج والحرمين الشريفين، إذ تولى قيادة حملات الحج بنفسه في كل عام لتأمين خدمة الحجيج ورعايتهم، وبدأت الدولة السعودية منذ عهده بكسوة الكعبة المشرفة كلّ عام، واستتب خلال حكمه الأمن والاستقرار السياسي والوحدة في جميع أرجاء الدولة.
المرحلة الثانية: وهي الدولة السعودية الثانية حينما تمكّن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود رحمه الله عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ (1891م)، وذلك بعد سبع سنوات فقط على انتهاء الدولة السعودية الأولى.
المرحلة الثالثة: وهي الدولة السعودية الثالثة بعد انتهاء الدولة السعودية الثانية بعشر سنوات فقط حينما قيض الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله عام 1319هـ (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها.
وهكذا يظهر أن تاريخ الدولة موغل في القدم إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى أكثر من ثلاثة قرون، وحافظت خلالها على صمودها واستقلالها عن أي نفوذ خارجي، يقول خادم الحرمين الشريفين: جاءت الدولة السعودية لتعيد الاستقرار لهذه المنطقة على نهج الدولة الإسلامية الأولى، وتوحد أغلب أجزائها في دولة واحدة، تقوم على الكتاب والسنة، لا على أساس إقليمي أو قبلي أو فكر بشري منذ أكثر من مئتين وسبعين سنة.
وقال عن يوم التأسيس الذي يوافق 22 فبراير من كل عام: نعتز بذكرى تأسيس هذه الدولة المباركة في العام 1139هـ /1727م، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم أرست ركائز السلم والاستقرار وتحقيق العدل.
وأضاف خادم الحرمين الشريفين: احتفاؤنا بهذه الذكرى، هو احتفاء بتاريخ دولة، وتلاحم شعب، والصمود أمام كل التحديات، والتطلع للمستقبل.
فيوم التأسيس السعودي هو مناسبة تاريخية عظيمة يهدف إلى تعريف الأجيال الحالية بتاريخ المملكة العريق، حيث تعكس عمق تاريخ المملكة وأصالة جذورها، ولتبقى ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى حاضرة في الأذهان، ومصدر فخر لكلّ فرد من أفراد الوطن، ويحقق التماسك والاندماج والتواصل وقوة الترابط بين أفراد الوطن.