العقيد م. محمد بن فراج الشهري
يعد يوم التأسيس الوطني السعودي مناسبة تاريخية تعكس العمق الحضاري والجذور الراسخة للدولة السعودية، يحتفل بهذا اليوم في الثاني والعشرين من فبراير من كل عام، وهو يرمز إلى ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود في عام 1727م، حيث كانت الدرعية منطلقًا لتأسيس كيان سياسي قوي يقوم على الوحدة والاستقرار.
يوم التأسيس الوطني السعودي هو يوم عظيم في تاريخ المملكة العربية السعودية، حيث يُحتفل به كل عام في الثاني والعشرين من شهر فبراير، ويُعتبر هذا اليوم عطلة رسمية في المملكة، هذا اليوم يُحيي أيضاً إعلان قيام المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، الذي قاد جهود توحيد المملكة في أوائل القرن العشرين، حيث صدر الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بأن يكون يوم 22 فبراير يوماً للتأسيس وهو اليوم الذي يرمز إلى العمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/ 1727م.
ولهذا التأسيس جذور من أبرز ملامحها استقرار بنو حنيفة في وسط الجزيرة العربية أدى إلى تأسيس مملكة اليمامة التي أصبحت جزءاً من الدولة النبوية عند ظهور الإسلام. وكان الاستقرار متركزاً في منطقة العارض في نجد وخاصة في وادي حنيفة، وبعد انتهاء الخلافة الراشدة، أصبحت الجزيرة العربية في حالة من عدم الاستقرار والضعف. وفي منتصف القرن التاسع الهجري وتحديداً في عام 850هـ/ 1446م تمكن الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي من العودة إلى وسط الجزيرة العربية حيث كان أسلافه وقام بتأسيس مدينة الدرعية (التي تكونت من غصيبة والمليبيد) التي أصبحت منطلق تأسيس الدولة السعودية الأولى، وخلال أكثر من 280عاما تعاقب فيها أبناء مانع المريدي وأحفاده على إمارة الدرعية، تهيأت لمرحلة جديدة عندما تولى الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية في منتصف عام 1139هـ فبراير 1727م حيث تأسست الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية، حيث ولد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن في الدرعية عام 1090هـ ونشأ وترعرع فيها، وكان مشاركاً في الأحداث أثناء عهد جده وأبيه عندما تولوا الأمارة فيها، مما أكسبه خبرة في الحكم، وعندما تولى الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية، قام بالعمل على تأسيس الوحدة فيها وتأمين الاستقرار داخلها وفي محيطها من البلدات والقبائل، وحماية طريق الحج والتجارة، كما عمل على تنظيم الأوضاع الاقتصادية للدولة، والتوسع في البناء وتنظيم أسوار الدرعية.
انطلقت الدولة بعد ذلك للبدء بتوحيد المناطق في نجد لتشكل بداية المرحلة الأولى من توحيد الدولة السعودية الأولى الذي اكتمل في عهد أبنائه وأحفاده، حيث تأسست المملكة العربية السعودية في عام 1932، بعد جهود طويلة ومستمرة من الملك عبد العزيز لتوحيد القبائل والمناطق المختلفة في شبه الجزيرة العربية تحت راية واحدة، هذا التوحيد كان نتيجة لجهود الملك عبد العزيز في بناء دولة قوية ومستقرة، والتي أصبحت فيما بعد واحدة من أكثر الدول ازدهارًا وتقدمًا في العالم.
يوم التأسيس الوطني السعودي هو فرصة للشعب السعودي للاحتفال بتاريخهم الغني وتقدير جهود أسلافهم في بناء هذه الدولة العظمى، خلال هذا اليوم، تُقام العديد من الفعاليات والاحتفالات في جميع أنحاء المملكة، بما في ذلك العروض العسكرية والبرامج الثقافية والمعارض الفنية، كما يُقدم الشعب السعودي الشكر والتقدير للمؤسس الإمام محمد بن سعود وجميع الأجيال التي ساهمت في بناء وتقدم المملكة.
يوم التأسيس الوطني السعودي هو أيضًا فرصة للاحتفال بالتقدم والازدهار الذي شهدته المملكة العربية السعودية على مر السنين، من خلال جهودها المستمرة في التنمية والتقدم، أصبحت المملكة واحدة من أكثر الدول ازدهارًا وتقدمًا في العالم، مع اقتصاد قوي ومتين وثقافة غنية ومتنوعة.
يمثل هذا اليوم فرصة لاستحضار القيم والمبادئ التي قامت عليها الدولة السعودية، حيث كان للتأسيس الأول أثر عميق في بناء مجتمع متماسك يرتكز على مبادئ الشريعة الإسلامية والتقاليد العربية الأصيلة، فقد كانت الدرعية نقطة البداية لقيام دولة جمعت بين القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما ساهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة عبر العصور.
الاحتفاء بيوم التأسيس يعكس الاعتزاز بالهوية الوطنية والانتماء إلى إرث طويل من العزة والمجد، حيث تتجلى في هذا اليوم الفعاليات التي تسلط الضوء على التاريخ السعودي الحافل بالإنجازات والتضحيات، وتتنوع الفعاليات ما بين العروض الثقافية، والندوات التاريخية، والمهرجانات الشعبية التي تبرز التراث الوطني الأصيل، مما يعزز من الوعي المجتمعي بأهمية هذا اليوم.
الفرق بين يوم التأسيس واليوم الوطني السعودي يكمن في أن يوم التأسيس يرتبط بالبداية الأولى لإنشاء الدولة السعودية الأولى، بينما اليوم الوطني الذي يُحتفل به في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، فهو يرمز إلى إعلان توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1932م، وكلا اليومين يحملان دلالات وطنية عميقة تؤكد على مسيرة النهوض والتقدم التي مرت بها المملكة عبر القرون.
يوم التأسيس ليس مجرد احتفال، بل هو تأكيد على استمرارية الدولة السعودية ورسوخ جذورها في عمق التاريخ، حيث يعكس هذا اليوم مسيرة البناء والتطوير التي وضعت المملكة في مصاف الدول الرائدة عالميًا، ويجسد أيضًا اللحمة الوطنية بين القيادة والشعب، حيث يعمل الجميع على صون المكتسبات الوطنية وتعزيز وحدة الصف لمواصلة البناء والازدهار، وأن الاحتفال بيوم التأسيس يعزز الشعور بالولاء والانتماء للوطن، ويعكس الفخر بتاريخ المملكة العريق، فهو مناسبة لاستذكار البطولات والتضحيات التي بذلها الأجداد لتأسيس هذا الكيان العظيم، مما يحفز الأجيال الحالية والمستقبلية على المضي قدمًا في تحقيق رؤية المملكة الطموحة نحو مستقبل مشرق، مرتكز على تاريخ مجيد وإرث ثقافي عريق.
ويُعد يوم التأسيس السعودي مناسبة تاريخية تعكس عمق الجذور التاريخية للدولة السعودية، فهو ليس مجرد احتفال بذكرى تأسيس الدولة، بل هو تجسيد لمسيرة طويلة من الوحدة والاستقرار وبناء الهوية الوطنية المتجذرة في القيم العربية والإسلامية. ففي هذا اليوم، تتجلى معاني الانتماء والاعتزاز بالتاريخ العريق للمملكة، حيث يعيد المواطنون استذكار الجهود العظيمة التي بُذلت لوضع أسس الدولة الراسخة على مبادئ العدالة والتوحيد والاستقرار السياسي، ويمثل يوم التأسيس فرصة لتعزيز القيم الوطنية في نفوس الأجيال الجديدة، حيث يُرسخ لديهم مفهوم الولاء والانتماء للوطن من خلال استعراض التضحيات والإنجازات التي قدمها القادة عبر العصور. كما يعزز هذا اليوم الشعور بالفخر بالهوية السعودية التي قامت على مبادئ الإسلام، فالمملكة منذ نشأتها كانت ولا تزال منارةً لنشر قيم الدين الإسلامي وتعزيز التآخي بين الشعوب الإسلامية، مما جعلها نموذجًا يُحتذى به في ترسيخ المبادئ المستمدة من الشريعة الإسلامية، كما أن الاحتفال بيوم التأسيس يُعد تجسيدًا واضحًا لاستمرارية المسيرة الحضارية للمملكة، حيث يُبرز التلاحم بين القيادة والشعب ويعزز الوعي بتاريخ الوطن وأمجاده. كما يُلقي الضوء على مدى ارتباط الدولة بتاريخها العريق، الذي شكل أساسًا متينًا لتطورها ونهضتها في مختلف المجالات، مما جعلها قوة مؤثرة في العالمين العربي والإسلامي. إن هذا اليوم ليس مجرد مناسبة وطنية، بل هو محطة مهمة لإعادة التأكيد على الهوية العربية الإسلامية للمملكة، والتي كانت ولا تزال ركيزةً أساسية في سياساتها وثقافتها ودورها الريادي في المنطقة والعالم.