د. فواز كاسب العنزي
في يوم التأسيس السعودي، نستذكر بكل فخر واعتزاز الجذور الراسخة للدولة السعودية، التي لم تكن وليدة لحظة عابرة، بل جاءت نتيجة رؤية استراتيجية، وجهود عسكرية، وتحالفات حكيمة قادها رجال عظماء. لم يكن التأسيس مجرد إعلان سياسي، بل كان ثمرة تاريخ عسكري مجيد، أسس لعقيدة أمنية متينة، وصنع قادة عظماء قادوا البلاد إلى الاستقرار والازدهار.
لقد كان التاريخ العسكري السعودي منبع العقيدة الأمنية، حيث شكل ركيزة أساسية في بناء الدولة السعودية بمراحلها الثلاث. فمنذ تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، إلى إعادة إحياء الدولة على يد الإمام تركي بن عبدالله، وحتى توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز، كان الأمن والاستقرار عاملين أساسيين في بقاء الدولة واستمراريتها.
التاريخ العسكري السعودي: الركيزة الأساسية للعقيدة الأمنية
إن العقيدة الأمنية للدولة السعودية لم تبن بين ليلة وضحاها، بل تبلورت عبر حروب التوحيد، وحماية الدولة، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وقد كان التاريخ العسكري هو البوصلة التي وجهت القادة في بناء منظومة أمنية متكاملة تحفظ السيادة والاستقلال والاستقرار.
1- الإمام محمد بن سعود (1727 - 1765م): التأسيس وبناء العقيدة الأمنية الأولى
في عام 1727م، أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى، مدركا أن أي دولة ناشئة تحتاج إلى جيش قوي، وتحالفات استراتيجية، وعقيدة أمنية مستقلة. فقام بتوحيد القبائل وتعزيز الاستقرار، مما أسس نواة أول منظومة أمنية سعودية مستقلة عن النفوذ الخارجي، وكان هذا بداية بناء العقيدة الأمنية السعودية.
2- الإمام تركي بن عبدالله (1819- 1834م): إعادة التأسيس وتكتيكات الحرب الذكية بعد سقوط الدولة السعودية الأولى
لم يكن استعادة الحكم أمرا سهلا، لكن الإمام تركي بن عبدالله نجح في إعادة بناء الدولة السعودية الثانية من خلال التخطيط العسكري الذكي واستخدام استراتيجيات حربية غير تقليدية، مما مكنه من تحقيق النصر واستعادة الرياض. لقد رسخ مفهوم الاستقلال العسكري والسيادة الوطنية، وجعل من الأمن ركيزة أساسية لاستمرار الدولة.
3- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن (1876 - 1953م): توحيد المملكة وصياغة العقيدة الأمنية الحديثة
كان الملك عبدالعزيز أحد أعظم القادة العسكريين في التاريخ الحديث، إذ قاد حملة استعادة الرياض عام 1902م، ليبدأ مسيرة توحيد المملكة بأسلوب عسكري استراتيجي فريد. لم يعتمد على القوة العسكرية وحدها، بل جمع بين التخطيط الاستراتيجي، والسياسة الحكيمة، والتحالفات القوية، مما جعله مثالا في القيادة العسكرية الناجحة.
لقد وضع الملك عبدالعزيز أسس العقيدة الأمنية الحديثة للمملكة، حيث ركز على:
بناء جيش وطني قوي يحقق الردع والحماية. الاستفادة من التاريخ العسكري في تجنب الأخطاء السابقة. إقامة تحالفات استراتيجية إقليمية ودولية لتعزيز الأمن القومي.
التاريخ العسكري السعودي وأثره في تحقيق التنمية المستدامة
يثبت التاريخ أن الأمن هو أساس التنمية المستدامة، فلا يمكن لأي دولة أن تحقق الاستقرار الاقتصادي والسياسي دون قوة عسكرية تحمي مصالحها وتحافظ على سيادتها. المملكة العربية السعودية أدركت هذه الحقيقة منذ تأسيسها، حيث تم توجيه الجهود نحو:
تطوير القدرات العسكرية لحماية الدولة والمواطنين. تعزيز التحالفات الأمنية لضمان الاستقرار الإقليمي. الاستثمار في الصناعات الدفاعية لتعزيز الاكتفاء الذاتي في المجال العسكري. دعم التعليم العسكري وإعداد جيل جديد من القادة الأمنيين.
القادة بلا قدوات: ضياع الرؤية وغياب البوصلة
التاريخ العسكري السعودي يعلمنا أن القادة الذين لا يستلهمون من الماضي هم قادة بلا بوصلة، يكررون أخطاء سابقيهم ويضيعون فرص النجاح. فالقيادات العظيمة مثل الإمام محمد بن سعود، والإمام تركي بن عبدالله، والملك عبدالعزيز لم تبدأ من الصفر، بل استفادت من دروس التاريخ، وطورت استراتيجياتها العسكرية بناء على تجارب الماضي.
أما القائد الذي لا يقرأ التاريخ، فإنه يواجه الأزمات دون تخطيط، ويتخذ قرارات غير محسوبة، مما يجعله عرضة للفشل.
خاتمة: يوم التأسيس.. رسالة للأجيال القادمة
يوم التأسيس السعودي ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو تذكير للأجيال القادمة بأن النجاح يتطلب التخطيط، والتعلم من الماضي، واستشراف المستقبل برؤية استراتيجية.
لقد أثبت التاريخ العسكري السعودي أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح وحده، بل في الرؤية، والإدارة الذكية للموارد، وبناء تحالفات قوية، وتعزيز العقيدة الأمنية القائمة على الاستقلال والسيادة الوطنية.
في هذا اليوم المجيد، نتذكر تضحيات القادة الأوائل، ونتعلم من استراتيجياتهم، ونستلهم من تاريخنا العسكري دروسا لصناعة مستقبل أكثر أمنا واستقرارا.
كل عام والمملكة العربية السعودية شامخة بأمنها، قوية بقيادتها، ومستدامة بتطورها.