أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
تأسيس الدولة السعودية بني على قواعد ثابتة، فإذا زالت الجدران بسبب العواصف السياسية في حقبة من حقب التاريخ فإن الأساس باقٍ بدليل البناء على هذا الأساس أكثر من مرة، فقد بنى الإمام تركي بن عبدالله قواعد حكمه على الأسس التي وضعها الإمام محمد بن سعود، ولما عصفت العواصف بالدولة التي بناها الإمام تركي بن عبدالله بنى الملك عبدالعزيز قواعد حكمه على الأسس التي وضعها الإمام محمد بن سعود، ثم الإمام تركي بن عبدالله، ولولا متانة تلك الأسس لما بقيت دولة آل سعود ثابتة الأركان على مدى القرون المتتابعة، وبما أن الملك سلمان -حفظه الله- من محبي التاريخ فقد رأى أن يخصص اليوم الذي نشأت فيه الدولة السعودية بتسميته يوم التأسيس، وأن يكون هذا اليوم بمثابة التذكير بالعمق التاريخي لهذه الدولة التي عصفت بها العواصف أكثر من مرة ثم تنشط من جديد وتتجدد في حلة جديدة تسر العيون بمرآها، فدولة آل سعود التي ننعم في ظلها اليوم هي دولة الملك سلمان بن عبدالعزيز صاحب الرؤى الصائبة والنظرة الثاقبة، فقد حفظ ملك آل سعود، وأعطى عاصمته الرياض ما تستحقه من العناية، فهي درة الجزيرة العربية وقلبها النابض، فالمواطن تلبي الرياض حاجاته بإعداد الطرق المريحة وبناء الأسواق المتجددة، والمقيم يجد في الرياض العمل المريح مع صيانة حقوقه، وإتاحة التعليم لأبنائه، وقد حرص الملك سلمان على المدينتين المقدستين مكة والمدينة فخدمهما بما تستحقانه من خدمة تريح الحجاج والمعتمرين والزائرين، فالقطارات متاحة بين المدينتين وفي المشاعر المقدسة عرفات ومزدلفة ومنى، ووفرة الماء والطعام في متناول الحاج مع أن الإقامة في المشاعر في أيام معدودة، فالإقامة في عرفات في يوم واحد، والإقامة في مزدلفة في ليلة واحدة، والإقامة في منى في أربعة أيام، ومع هذا الجهد الذي يقوم به الملك سلمان في خدمة شعبه وخدمة الحجاج والمعتمرين والزائرين لم يتباه بأعماله وينس ما عمله أجداده، فالتفت إلى تاريخ الأسرة الكريمة بل إنه جعل دارة الملك عبدالعزيز مستودع تاريخ هذه الأسرة، فحفظ ما قام به المؤسس الإمام محمد بن سعود، ولم ينس الجد الأعلى مانع بن ربيعة المريدي الذي ينتسب إلى حنيفة ثم بكر ثم وائل، والإشادة بالمؤسس الإمام محمد بن سعود لم تغض من أعمال من سبقه، فالملك سلمان يرى أن الحكم الثابت والمهيمن على الجزيرة العربية بل إنه تجاوزها بدأ في حكم الإمام محمد بن سعود، فالإمام محمبن سعود توافرت فيه صفات الصبر ومجالدة المناوئين، كما حصل في حروبه مع دهام ابن دواس، وقد مهد الإمام محمد بن سعود الطرق لابنه عبدالعزيز الذي وصلت فتوحاته العراق، ولما آل الحكم إلى سعود بن عبدالعزيز بن محمد كان اهتمامه بحفظ ممتلكات الدولة التي شملت المقدسات في الحجاز قائماً، ولم تصمد الدولة بعد حكم سعود بن عبدالعزيز، فبان الخلل فيها في حكم عبدالله بن سعود الذي انهزم أمام أعداء الدولة، وبدأ الانقسام والتشرذم في الدولة إلى أن نهض بدولة آل سعود المؤسس الثاني الإمام تركي بن عبدالله الذي أسس دولة، وبنى ملكاً قد زال، ولم يكن معه إلا همته وسيفه، فبدأ بحروب لا تنقطع الهدف منها استرجاع مملكة آل سعود التي توزعت إلى إمارات صغيرة، ولما استرجع بعض ممتلكات الدولة رأى أنه شرع في تأسيس مملكة جديدة، فاختار لها عاصمة جديدة.. فوقع نظره على ضرما، ولكن بعض سكانها من المناوئين، فصرف نظره إلى عرقة، ثم رأى أنها لا تصلح لافتقارها إلى مرافق مهمة، وفكر في الرياض التي هرب منها حاكمها دهام بن دواس منذ سنين، ولم يعد إليها فقرر الإمام تركي أن الرياض ليست الرياض في أيام دهام بن دواس فهي العاصمة الملائمة للدولة السعودية الجديدة التي أقامها الإمام تركي بن عبدالله، والرياض بلد متطور، ففي القرن العاشر الهجري كانت الرياض تضم قريتين هما مقرن ومعكال، وتقع الحرب بين القريتين بدليل قول الشاعر:
يا مَا حَلا والشمسُ باد شَعَقْهَا
ضَرْبَ الهنادي بين مِقْرن ومِعْكَال
ثم تطورت الرياض بعد هذه الحرب، وأصبحت بلداً واحداً يغري الحكام في الإقامة فيه، ومعكال الذي ورد في البيت حي من أحياء الرياض، وكان مشتهراً بنخيله التي كانت معروفة قبل خمسين عاماً وبتوسع الرياض قطعت النخيل وأقيمت البيوت مكان النخيل.. ونعود إلى تأسيس الدولة الأولى فنقول: إن دولة آل سعود تأسست في القرن الثاني عشر الهجري على يد البطل محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، هذا البطل هو الذي اختار الملك سلمان بن عبدالعزيز بداية حكمه في سنة (1139هـ) ليكون (يوم التأسيس) وقد تميز حكم محمد بن سعود بالتوسع فلم تعد الدرعية الدولة، وإنما الدولة المدن والقرى التي امتدت إليها هيمنة محمد بن سعود صاحب النظرة البعيدة المشتملة على الإصلاح وتحسين معيشة الحاضرة والبادية، وكف الظلم الذي ينال القرى من قبل البادية التي تنهب مواشيهم وزروعهم وأخذ القاتل وتنفيذ القصاص فيه.
فالظلم الذي كان سائداً تلاشى بسبب ما اتخذه الحاكم من ردع أخاف المتجبرين وأوقفهم عند حدهم، فإنصاف المظلوم أراح القلوب، وسيرة محمد بن سعود وتركي بن عبدالله هي التي ألهمت المؤسس الثالث عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود البطل المغوار، فاتح الرياض، وهازم الأعداء، ألهمته إنصاف المظلوم، فالخوف من الله أمام عينيه يبتعد من الظلم، ويعطي كل ذي حق حقه، صاحب رأي وبصيرة يمهل العدو إلى أن يستعد للقتال، أعجز الأبطال، وهزم أصحاب الرأي برأيه، فالقاصي والداني أعجب بالملك عبدالعزيز لما يتمتع به من صفات القيادة، وحسن الرأي وعدل المعاملة والرفق بالخصم حتى يتبين له الطريق، بنى دولة عصية على الأعداء توافر فيها الأمن وساد الرخاء، وأشرق فيها نور العلم، فأصبحت دولة عصرية شاركت دول العالم في بناء المؤسسات الأممية مثل الأمم المتحدة، وما تفرع عنها من مؤسسات تخدم العالم أجمع، تفجر النفط في حكمه، فسعد بذلك لأنه يدعم خزينة الدولة فيتوسع التعليم وتتهيأ المعيشة لكثير من الناس.
وها نحن اليوم نعيش في عهد الملك سلمان، حيث الأمن يرخي ظلاله على كل بقعة في مملكته، وهل هناك حياة مع السرقة والخوف والقتل، أمنية الإنسان الأمن لا يخاف الرجل على بيته وعلى أبنائه، يرافقه الأمن في إقامته وفي سفره، ثم إن المملكة العربية السعودية اليوم تواكب العالم في تطوره، فهي سائرة في التطور في مجال، تسابق الآخرين في الطب، وفي التعليم وفي التكنولوجيا، هذه الدولة امتداد لدولة التأسيس، رعاها الله وأدام عزها ونصرها على كل من أراد النيل منها، ونصر ملكها فكل ما نرى من بناء وتجديد وتوسع في اكتشافات المعادن، إنما هو بتوجيه من الملك سلمان، كما أن رؤى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لها القبول، وفقه الله في رؤاه وسدد خطاه في الوصول إلى ما يطمح إليه من بناء دولة عصرية تأخذ من الآخرين ما سبقوا إليه في مجال العلم والاكتشاف والصناعة، فهذه المؤتمرات المتتابعة تهدف إلى الاحتكاك بالعالم المتحضر لتكون المملكة جزءاً منه، فهي اليوم في سباق مع الزمن، ومن سار على الدرب وصل.