م. عبدالله بن محمد السليمان
شهدت مدينة الرياض في منتصف التسعينيات الهجرية الماضية (السبعينيات الميلادية) زيادة في عدد السكان وازدحاما مروريا غير مسبوق. حدث ذلك بعد بدء الطفرة الاقتصادية والعمرانية بعد ارتفاع أسعار النفط في تلك الفترة. كانت الزيادة في تعداد السكان وازدحام الشوارع بحركة المرور مفاجئة وحدثت على حين غرة على من قام بإعداد المخطط الإرشادي للرياض الذي بدأ تطبيقه منذ عام 1393هـ/ 1973م وكان ذلك المخطط قد وضع معايير تخطيطية وعمرانية لمدة عشرين عاما حتى عام 1420هـ/ 2000م. ومن ضمن هذه المعايير عدد السكان المتوقع في نهاية تلك المدة يقارب 1.5 مليون نسمة ومساحة عمرانية تقارب 304 كلم2، إلا أن بروز تلك الطفرة الاقتصادية والعمرانية والسكانية السريعة قلبت كل المقاييس لذلك المخطط لدرجة أن عدد السكان قفز خلال أعوام قليلة ما يقارب تلك المعايير حيث بلغ عدد السكان في عام 1402هـ 1.5 مليون نسمة، كما تخطى النمو العمراني للرياض المساحة المحددة 304 كم2 للمخطط. في خضم هذه الطفرة تعاقدت وزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في أمانة مدينة الرياض مع شركة بلجيكية معروفة لإنشاء عدد من الجسور (الكباري) الحديدية على عدد من التقاطعات الحرجة وسط الرياض منها جسر حديدي على تقاطع شارع المطار مع طريق خريص أمام وزارة البترول والثروة المعدنية سابقا وحل محل هذا الجسر جسر الخليج، كما نفذت عدد من الجسور على تقاطع طريق مكة (الكباري سابقا) مع كل من شارع الوشم، وشارع الإمام فيصل بن تركي (الخزان)، وشارع الإمام تركي بن عبدالله (الشميسي الجديد) وشارع الإمام محمد بن سعود (الشميسي القديم)، وشارع عسير وأزيلت هذه الجسور بعد تنفيذ طريق الملك فهد وتم تفكيك أحدها وإعادة تركيبه على تقاطع شارع العليا مع طريق الثمامة ولا يزال. كما نفذت الشركة جسرين حديديين من طابقين على دوار سلام جنوب الرياض، وكذلك جسور حديدية على تقاطعات شارع الإمام عبدالعزيز بن محمد (العصارات) مع كل من شارع الملك سعود (الناصرية)، وشارع عمرو بن العاص (التلفزيون)، وشارع الإمام فيصل بن تركي (الخزان)، ودوار ميدان مستشفى الملك سعود بحي الشميسي، مدينة الملك سعود الطبية حاليا، مع شارع الإمام تركي بن عبدالله (الشمسي الجديد) وشارع الإمام محمد بن سعود (الشميسي القديم)، وشارع عسير مع شارع البديعة هذه الجسور لا تزال قائمة حتى وقتنا الحاضر بعد مضي أكثر من أربعة عقود على تركيبها وتعملشكل عملي سواء في الاستخدام من قبل المركبات أو من ناحية الصيانة الدورية. هذه الجسور مثال عملي وحي لحل مشكلة الزحام المروري الذي تعاني منه الرياض في الوقت الحاضر. فهذه الجسور لا تتطلب وقتا طويلا للإنشاء وسريعة التركيب حيث كل جسر يستغرق تركيبه عدد من الأسابيع ولا يحتاج لإقامتها حفر أساسات وصبها بالخرسانة حيث تتكون أساسات هذه الجسور من خرسانة مسبقة الصنع توضع في حفرة مخصصة لها مكان إنشاء الجسر تقام عليها دعائم الجسور، كما تشكل الطبقة السطحية للجسر من مادة خاصة تصنع في المصنع وتوضع فوق المسارات في حينه وبهذا يكون الجسر جاهزا للاستعمال دون رصف أو سفلتة. كما أن المدى الممكن الحصول عليه بين كل دعامتين للجسر تراوح ما بين 15 - 35 مترا، ويمكن بناء الجسور على عدة طبقات وبشكل منحني إذا تطلب الأمر حسب الموقع، كذلك لا تتطلب تحويلات مسارات السير لمدة طويلة التي تجلب الاختناقات المعروفة. وفوق كل ذلك فهي قليلة التكلفة مقارنة بـالجسور الخرسانية والإنفاق التي تحتاج ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام للإنشاء إضافة إلى التكاليف الباهظة لتنفيذها سواء من ناحية التصميم أو التنفيذ، إضافة إلى التحويلات التي تكرس من الزحام والاختناقات. هذه التجربة الرائدة لعلها حافز لكي يتم إعادة تجربتها في الوقت الراهن لحل المشكلات والاختناقات المرورية على كل التقاطعات الحرجة الحالية في أنحاء مدينة الرياض التي تتخللها اختناقات مرورية كثيفة مسببة تكاليف اقتصادية متعددة، ومضيعة لوقت أصحاب المركبات، والضغط النفسي الذي ينتاب كل من يخوض غمار هذه الاختناقات كبيرا أو صغيرا ومنهم كبار السن والمرضى والأطفال وطلاب المدارس، ولا يخفى أن تطور التقنية الحديثة في هذا المجال سيكون له دور كبير في طريقة تصنيع وإنشاء هذه الجسور من ناحية المواد وتحسين الشكل الجمالي لها بالتكسيات المميزة وزمن التنفيذ، سدد الله الخطى والله من وراء القصد.