د. فاطمة إبراهيم المنوفي
ليست تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة مجرد بالون اختبار حسبما يرى البعض، بل هي دعوات تعود جذورها إلى حقبة ما بعد «نكسة حزيران» عام 1967 عندما خططت الحكومات المتعاقبة في تل أبيب لتنفيذ مشروع التهجير لسكان القطاع. فهذه التصريحات تكشف عن النوايا الحقيقية لدى الصهاينة.
فقد نشرت صحيفة «هآرتس» في 17 نوفمبر 2017 تقريرا حول النقاشات التي دارت في الحكومة الإسرائيلية بعد حرب يونيو 1967، استناداً إلى محاضر جلسات الحكومة في تلك الفترة، وكشفت عن الخطط الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة، سواء عبر دفعهم إلى الانتقال إلى السكن في الضفة الغربية، أو في الأردن، أو حثّهم على الهجرة إلى الخارج، وإلى دول بعيدة عن المنطقة: «يجب إمساكهم من أعناقهم ورميهم إلى الضفة الشرقية للأردن وإلى العريش المصرية»... «تقليل عدد السكان»، «إخلاء المنازل»، «النقل»، «الترحيل»، «والتهجير» كانت خططهم ومؤامراتهم؟
كشفت بروتوكولات الحكومة الإسرائيلية أن فكرة ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة كانت دائماً على الأجندة، ليس فقط لليمين المتطرف، بل أيضاً لدى الحكومات التي تعد نفسها يسارية أو ليبرالية. واللغة التي استخدمت حينها لا تقل وحشية عن لغة المتطرفين الحاليين، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش
ومن المعلوم أن هناك فريقا في إدارة ترامب كله من الإنجيليين الصهاينة المتطرفين الذين يسعون إلى تطبيق تعاليم تلمودية، وسيفعلون ما بوسعهم من قتل وتدمير ان لم يتم التصدي لهم بكل قوة وحزم.
وترامب يردد تصريحات صهره كوشنير حول تهجير الفلسطينيين وتحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»
تذكرنا تصريحات ترامب بتصريحات صهره جاريد كوشنر العام الماضي حول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لتحويلها إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». ففي مقابلة في جامعة هارفارد في 15 فبراير 2024، قال كوشنر مستشار السياسة الخارجية بولاية ترامب الأولى (2017- 2021): «لو كنت مكان إسرائيل لقمت بنقل سكان غزة وطهرت المنطقة»، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية. وفي نفس المقابلة رأي كوشنير أن عقارات غزة ذات الواجهة البحرية قد تكون ذات قيمة اقتصادية عالية، وزعم أن حصول الفلسطينيين على دولة خاصة بهم «فكرة سيئة جدا».
كما حث إسرائيل على طرد الفلسطينيين قائلا: «يجب أن يتم طرد الفلسطينيين من غزة بدبلوماسية من معبر رفح الحدودي إلى مصر أو منطقة صحراء النقب». من المعلوم أن تشارلز كوشنر أدى دورا مهما في عملية «التطبيع» بين إسرائيل ودول عربية خلال ولاية ترامب الأولى. وأن والده يهودي وصديق مقرب لبنيامين نتنياهو.
أيضا كشف ترامب خلال مؤتمر صحفي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض مؤخرا عزمه على الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، ما أثار ردود فعل إقليمية ودولية واسعة.
إن الكلمات المروعة لما يطلق عليهم وسطا السلام زورا وبهتانا، والمسؤولين الإسرائيليين، تكشف مرة أخرى عن العقلية التوسعية الوحشية للاحتلال الإسرائيلي وأنصاره الغربيين، وتحمل كلماتهم حلم إسرائيل الكبرى الذي كشف عنه نتنياهو وسموتريتش إبان حرب الإبادة على غزة.
كل هذا ليس جديدا، إنه نفس الهدف الذي سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تحقيقه على مدى القرن الماضي، التطهير العرقي، وسرقة الأراضي، وتدمير الوجود الفلسطيني.
ولا يعترف ترامب بأن إسرائيل تسببت في هذه الكارثة الإنسانية، باستخدام الأسلحة الأميركية وبدعم من الإدارات الأميركية السابقة والحالية، ولا يوضح لماذا أصبحت غزة منطقة منكوبة، أو لماذا هذا الكم الهائل من الخسائر البشرية؟ لقد ارتكبت إسرائيل ما بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، بدعم أمريكي وغربي مطلق النظير إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وعلاوة على ذلك، فقد وعد ترامب نتنياهو بأن بإمكانه استئناف الحرب على غزة إذا أثبتت المفاوضات في المراحل اللاحقة من وقف إطلاق النار عدم فعاليتها.
مما لا شك فيه أن كل جرائم إسرائيل ضد الإنسانية لم تكن ممكنة أبدا دون الدعم المطلق من الدول الغربية، من المساعدات العسكرية إلى الغطاء السياسي، فقد مكن الحلفاء الغربيون إسرائيل وغذوا طموحاتها الاستعمارية، وجرائمها ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي قامت بها في غزة وسط صمت العالم بأسره.
وقد استخدمت إسرائيل كل الأسلحة المتاحة لها، من الضربات الجوية المدمرة، إلى الحصار، والسيطرة على الإمدادات الأساسية مثل المياه والغذاء، وارتكاب جرائم حرب صريحة. كما قامت باعتقالات تعسفية للاطفال والنساء والرجال، ولم تتورع عن هدم المنازل، وسرقة الأراضي، وشن حروب الإبادة الجماعية، كل ذلك في حين تدعي أنها تسعى إلى السلام.
والآن، مع دعم زعماء غربيين مثل ترامب لخطط التهجير الجماعي للناس في غزة، أصبح هدفهم المتمثل في محو الفلسطينيين أكثر وضوحًا بعد فشلهم في القضاء على المقاومة الفلسطينية.