ناهد الأغا
عندما نطرق باب الذاكرة، يضوع المسك فواحًا فيعبق المكان بالرائحة العطرة المنتشرة من بين صفحات التاريخ التي تحدثنا عن بطولات لا يمكن أن تُنسى لأنها معششة في العقول، تعاد كلما تحدثنا عن عظماء سطَّروا ملاحم شرف ترفع لها الهامات وتشمخ لها القامات.
في يوم يختلف مروره عن بقية الأيام، لا بد أن يقف الجيل وقفة إكبار وإجلال لصناديد اتخذوا من المجد وقوة العزيمة طريقًا لهم عندما قرروا بناء دولتهم الأولى في الثاني والعشرين من شهر فبراير، بزعامة الإمام محمد بن سعود الذي ذاد عن البلاد بشجاعة وإقدام، فدخل إلى الدرعية رافعًا راية الإسلام داعيًا إلى التوحد ونبذ التفرقة والجهل والتخلف والحفاظ على الأمن والاستقرار، فأصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف ومصدر جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي، وهي التي تحتضن على أرضها معالم أثرية عريقة كحي غصيبة التاريخي وحي الطريف ومنطقة سمحان ومنطقة البجيري وسوق الدرعية الشهير.
وبتولي الإمام محمد بن سعود زمام الأمور، عقد العزم على إقامة نظام مالي وصف آنذاك بأنه من الأنظمة المتميزة من حيث الموازنة بين الموارد والمصروفات، فهاجر كثير من العلماء إليها من أجل تلقي التعليم والتأليف في تلك الفترة.
لكن أعداء العلم يسعون دائمًا إلى العبث والتخريب والسطوة الهمجية، فأرادوا زعزعة أمن البلاد، لكنهم لم يفلحوا حيث تصدى لهم الإمام تركي بن عبد الله مع كوكبة من الرجال الأشراف، وبإرادة لا تقهر قضوا على كل أثر سلبي سعى إلى التخريب فنجح في المهمة واتخذ من الرياض عاصمة للدولة السعودية الثانية. فكان رجل حرب وسلم وحنكة في الحكم، فوضع أسس دولة بمنهج متكامل، وسار على خطى السابقين من الأئمة حكام الدولة، طيب الله ثراهم جميعًا.
وبذلك تمكن الإمام تركي بن عبد الله من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قصيرة، مستمرًا في النهج الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى وهو حفظ الأمن والتعليم والعدل والمساواة، والقضاء على الفرقة والتناحر، داعيًا من هم في صف أصحاب الحل والعقد والرأي والشورى والحكم والجيش للحفاظ على ما ثبت من أسس في بناء الدولة.
لكن اليد الشريرة العابثة عادت لتزعزع الأمن والاستقرار، فتصدى لها الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، فدخل إلى عاصمة ملك أجداده الرياض مع بزوغ فجر يوم الثامن من يناير سنة ألف وتسعمئة واثنين، فوصل إلى قصر المصمك، وكانت بداية جديدة أخرى لتأسيس الدولة السعودية الثالثة بمحاولة جادة وصعبة وصفها المؤرخون بأنها طريقة تدل على براعة فائقة وحذق مدهش، وأنها من أروع قصص البطولة وأعظمها شأنًا وأجلها قدرًا. فكانت ملحمة بطولية عميقة البعد لهذا الرجل الذي وضع نصب عينيه أن بلاده ستنفجر ذات يوم على يديه نفطًا وماءً ومكانة سياسية ودينية. وحينها أصدر البيان العظيم بإعلان المملكة العربية السعودية مملكة موحدة حصينة لا يجوز المساس بها، وعمل على نهضتها في جميع المستويات من إنشاء جيش قوي وبناء مؤسسات ووزارات تؤسس لكل ما يحافظ على هذا الإرث العريق والمجد التليد.
سار على هذا النهج كل من أتى بعده من الملوك الأجلاء حتى يومنا هذا الذي يحياه أبناء السعودية بقيادة الأب الرؤوف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، والتي تعيش فيه المملكة أوج قوتها وازدهارها وتقدمها متوجة برؤية 2030 لسمو سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان، حفظه الله وسدد خطاه.
المهندس والشاب الحصيف الرهيف المتقد ذكاء، سالكًا نهج أجداده العظماء بروح الكرامة والإباء والعزة والشموخ، وبحكمة تنم عن طموحه اللامحدود، رؤية سامية الهدف من أجل استمرار التنمية وتنويع الاقتصاد ليكون مثالًا يحتذى ودعم العلم والعلماء، وتعزيز السياحة وتنشيط الثقافة وتحفيز قدرات أبناء السعودية على الاختراع والابتكار وكل ما يرفع من قيمة الإنسان ليكون صادقًا أمينًا في الحفاظ على ما تركه الأجداد من إرث عظيم.
يوم التأسيس يوم عظيم بكل ذكرياته، يستحق أن يحتفي به كل من يعيش على أرض السعودية المباركة، سيدة الخير والعطاء، شمس الأمة المشرقة، والتي لن تأفل بإذن الله ما دامت الحياة مستمرة وقائمة.